يظن البعض أن «الكيد» مقتصر على النساء فقط، اعتماداً على قصة النسوة في سورة يوسف، لتخبرنا أنه طبيعة بشرية في النفس متى ما استسلمت النفس لنوازعها الشريرة وعواطفها الدنيئة.. تجسّدت هذه النفس بصورة جلية في قصة يوسف التي حكت لنا كيد الرجال والنساء على حد سواء بصورة متشابهة من كل الجوانب. • «كيد الرجال» جاء بصيغة «تأكيد الكيد» (قال يا بُنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين).. و«كيد النساء» جاء بصيغة «وصف الكيد» (فلما رأى قميصه قُدّ من دُبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم). • «كيد الرجال» مؤامرة خطط لها إخوة يوسف وهم من طبقة راقية، فهم أبناء نبي وإخوة نبي، وعاشوا في بيت النبوة بما فيه من تربية وتهذيب.. و«كيد النساء» خططت له نسوة العزيز وهم من طبقة النبلاء الراقية الذين عاشوا في القصور بما فيها من تربية وتهذيب. • «كيد الرجال» حرَّكته عاطفة الحسد (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين).. و«كيد النساء» حرَّكته عاطفة الشغف (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين). • «كيد الرجال» هدفه إزهاق جسد يوسف أو تغيبه.. و«كيد النساء» هدفه إزهاق فضيلة يوسف أو تجريمه. • «كيد الرجال» رمى بيوسف في غياهب البئر.. و«كيد النساء» رمى بيوسف في غياهب السجن، فأنقذت قافلة عابرة يوسف من «كيد البئر»، ورؤية عابرة انقذت يوسف من «كيد السجن». • «كيد الرجال» انتهى بالاعتراف بالخطيئة والإقرار بمكانة يوسف -عليه السلام- (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين).. و«كيد النساء» انتهى بالاعتراف بالخطيئة والاقرار بصدق يوسف (قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين). نهاية جعلتنا ندرك أن «الكيد» بصفة خاصة والشر بصفة عامة قد يصدر من امرأة أو رجل، وجعلتنا نؤمن أن الفضيلة ستنتصر مهما كانت قوة كيد الكائدين، ومهما كان مصدرها رجلاً أو امرأة، فرداً أو جماعة.