من المعروف بأن الثقافة على تباين تعاريفها ومجالاتها مرتبطة بالمجتمع وهويته ومراحل تقدمه وتطوره، وفي ذات السياق تعد التسلية بمفهومها القديم والحديث هي أي نشاط يقوم به الإنسان بهدف شغل أوقات الفراغ والتنفيس عن الذات، وبهذا المفهوم لازمت التسلية الإنسان من أقدم عصوره إلى يومنا الحاضر، بداية من الألعاب الرياضية، والمسرحيات، والمساجلات الشعرية، والألعاب الورقية، والرقص والغناء، والمسابقات التي تقام بين البشر، أو الحيوانات، وفي بعض الأحيان تؤدي هذه المسابقات إلى حروب، نذكر على سبيل المثال: «حرب داحس والغبراء»، وهما فرسان تسابقان وانتهى السباق بحرب استمرت زهاء أربعين عاماً. بصورة عامة استخدم الإنسان المواد الخام والإمكانات المتوفرة لديه في صناعة وسائل التسلية، ومن هنا برز فلاسفة اليونان؛ فالطبيعة الجغرافية والمناخية جعلت اليوناني القديم يقضي أغلب أوقاته خارج البيت للتأمل والتدبر، كما أن الاحتكاك الدائم بين المجتمع ذاته أدى إلى سرعة تطور أنظمته المتباينة. وفي وقتنا الحاضر تنوعت مصادر التسلية وقنواتها وبرامجها، وأصبحت تناسب كافة الفئات العمرية ذكوراً وإناثاً. وفي السياق ذاته، تعد التفاهة جزءًا من التسلية، ووسيلة للوصول للشهرة والثراء في فترة وجيزة، وفي معاجم اللغة: أتفه الشيء: أي قلله. فصنّاع المحتوى التافه الترفيهي أوفر حظاً في الثراء والشهرة من صنّاع المحتوى التعليمي أو الثقافي نوعاً ما، والتفاهة بمفهومها الحديث تعني أن يقدّم الشخص مواضيع لا فائدة منها سوى التنفيس، والهدف من المحتوى المقدم التسلية، وصاحب هذا المحتوى يُسخّر جميع طاقاته ومهاراته لجذب متابعيه، ويحاول قدر المستطاع تنويع محتواه، ووسائل التواصل الاجتماعي على تباينها تتضمن عدداً كبيراً من مقدمي المحتوى «التافه»، والغريب أن القنوات التلفزيونية تنتج أو تبث برامج إما تقلد هؤلاء المشاهير، أو تستضيفهم في برامجها. لا ندري صراحةً هل البرامج التلفزيونية التي تخصص فقرات تقلد فيها هؤلاء المشاهير، لم تجد ما تقدمه، ولم تتقدم وتبتكر برامج جاذبة؟ وهذا مما أضعف محتواها. ويأتي في هذا السياق برنامج طاش العودة الذي عاد بقوة في وقت ظننا أن لا شيء جديداً يقدمه، بل العكس ناقش قضايا اجتماعية معاصرة، بطريقة جاذبة. والجدير بالذكر أن التسلية من خلال التفاهة لها بعد تاريخي، فإذا أخذنا -على سبيل المثال- شخصية جحا الأسطورية التي ارتبطت بها الكثير من الطرائف والنكت والقصص الفكاهية المضحكة، والتي كانت تدخل السرور على المجتمع في تلك العصور الماضية، وصورت هذه الشخصية في العديد من المشاهد الدرامية، وفي حضارات متنوعة؛ مما يعطينا دلالة على أهمية الضحك وفوائده ذات الصلة بصحة الإنسان النفسية والجسدية وكسر الروتين اليومي؛ لذا يجب ألا نكون قاسيين على محتوى التسلية التافه، فهو بمثابة التنفيس للبعض. مجملاً: فهل باتت التفاهة جزءاً من التسلية؟