رغم أن المشهد مر عليه نحو 12 عاما إلا أنه لايزال محفورا في ذاكرة التونسيين، ما يؤكد أن الشعوب يمكن أن تمرض لكنها لاتموت، إذ إنه في 17 ديسمبر من عام 2010 اندلعت شرارة الاحتجاجات بمحافظة سيدي بوزيد غربي تونس إثر إحراق البائع المتجول محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على تعامل شرطية معه، واستغل تنظيم «الإخوان» كعادته هذه اللحظة المفصلية، وركب موجة الغضب وانقض على المشهد ليأخذ تونس معه إلى مخالب وأجندات مشبوهة، كادت أن تغرقها في بحور الظلام والإرهاب. ورغم محاولات الجماعة الإرهابية خلال سنوات حكمهم طمس هذا التاريخ من خلال الإعلان عن يوم 14 يناير من كل عام «عيدا وطنيا للثورة»، إلا أن الرئيس الحالي قيس سعيد، أعاد الأمور إلى نصابها، فأعلن قبل نحو عام اعتبار يوم 17 ديسمبر للاحتفاء بالثورة، ثم جاءت الانتخابات البرلمانية اليوم 17 ديسمبر 2022، احتفاء بالتاريخ نفسه وبرمزيته لدى التونسيين. وجاء قرار الرئيس التونسي استجابة لمطالب أهالي سيدي بوزيد وغيرهم بضرورة اعتماد هذا التاريخ رسميا «عيدا للثورة»، لكن الإخوان الذين كانوا يهيمنون على الحكم منذ 2011، تجاهلوا هذا التاريخ محاولين دفنه ونمحوه من ذاكرة التونسيين، وهو ما فشلوا فيه كما فشلوا في الحكم. وفي 17 ديسمبر من عام 2010، لم يكن ثمة وجود لجماعة «الإخوان» بين الحشود التي خرجت إلى الشوراع مطالبة بالتغيير، إلا أنهم استغلوا مناخ الفوضى الذي حدث فأعادوا زعيمهم راشد الغنوشي من لندن، ورغم إعلانهم عدم المشاركة في المشهد السياسي، إلا أنهم كعادتهم نقضوا عهودهم ونكثوا وعودهم، وانقضوا على مفاصل الدولة مستغلين مرحلة الارتباك والضبابية حينذاك، وتمكنوا من الاستيلاء على السلطة لمدة عشر سنوات، وصفت ب«العشرية السوداء»، حيث تفاقمت البطالة وزاد الفقر وارتهنت البلاد لأجندات مشبوهة ومؤامرات خارجية. لكن هذه العشرية تحطمت على جدار القرارات الاستثنائية يوم 25 يوليو 2021 والتي جاءت استجابة لمطالب شعبية بإسقاط حكم الإخوان عبر تجميد برلمانهم والإطاحة بحكومتهم، واللجوء اليوم إلى الانتخابات البرلمانية لاستكمال مؤسسات الدولة التونسية.