دُعيت بالأمس القريب لحضور ملتقى الأدباء والتحدث في جلسة حول الأدب السعودي والآخر، وفي مستهل الجلسة سألني المحاور «من هو الآخر؟»، حينها نشبت معركة بين الأفكار في ذهني لتخرج بتأطير هذا الآخر في مرتبة أقل من الأنا، ومنها إلى محاولة الأنا فرض نوع من الهيمنة على الآخر، وشرعنة تحليله وتوجيهه وتسييره وحل قضاياه التي قد لا يدركها هذا الآخر، أو حتى ليس لها وجود إلا في قناعة الأنا! ما لبثت هذه المعركة بين الأنا والآخر أن انتقلت إلى ساحات التواصل الاجتماعي، ومساحاته؛ فهذا يتعجب من إغفال دعوته لحضور الملتقى، وذاك يستنكر حضور الترجمة فيه، وآخر يستغرب عدم سماعه لأي قصيدة على مسرح الملتقى! وما إن انجلى النقع حتى تكشفت هوية الفريقين؛ فالأنا هو «الأديب» والآخر هو «عامل الأدب»، أو ربما العكس! الحقيقة أنني لم أهتم بهذه المعركة، واعتزلتها رغم الزج بي في وسط ميدانها، ولكن موقعي منها أتاح لي فرصة التمعّن في واقع الأدب السعودي اليوم؛ فوجدته أكثر تحرراً من قيود الاقتصار، وأكثر قرباً من فضاء الانتشار؛ حيث أصبحنا نرى أدباء يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وأضحى للأدب سوق يشارك فيه كل من له علاقة في صنعته. ولا شك أن ملتقى الأدباء هو المثال الأبرز لهذا السوق في يوم من أيامه الرابحة، فقد لمس الجميع حجم الجهود فيه، وواقعية جلساته، واحترافية منظميه، أما نقد النقاد وغيرهم، فلا شك أن الموضوعي منه مهم في تحسين العمل اللاحق، ولا ينتقص من النجاح الحالي، ولكنني أعتقد أنه يجب ألا ننظر إلى الملتقى السنوي الرسمي للأدباء بنفس نظرتنا لأمسية نستمتع فيها بالشعر، أو ثلوثية نناقش فيها رواية أدبية، أو وليمة يدعى إليها الجفلى أو النقرى؛ بل هو ورشة عمل مفتوحة يلتقي فيها أرباب الأدب، وأصحاب القرار فيه، والمنتفعون منه، والعاملون عليه، والمهتمون به، في سياق مواضيع محددة على المنصة، ومفتوحة فيما عداها؛ بهدف النقاش والإثراء وتبادل الخبرات والتعارف والخروج بمشاريع أو توصيات تسهم في ريادة أدب الوطن. أما عن نتيجة المعركة فلا تسألوني من المنتصر فيها، فأنا لا أعرف! ما أعرفه هو أن الأدب صناعة، وهذه الصناعة تزدهر محلياً وفق منهجية تمكين ترعاها وزارة الثقافة، وتسهم فيها القطاعات والكيانات الأخرى، وتمضي في وجهة لا يقيس تسارعها إلا كمّ النتاج الأدبي وكيفه، ولا يحدد مسيرتها «أنا» متفرد ولا «آخر» منفرد.