مع بداية العقد الثاني من القرن الجديد تحديداً في 2011، امتلكت البرازيل جيلاً ذهبياً وتاريخياً من اللاعبين الشباب الذين انتشروا لاحقاً في معظم الأندية الكبرى في أوروبا. على رأس تلك القائمة كان يتواجد نيمار وأوسكار وكوتينهو ولوكاس مورا وذلك الشاب المتحمس كارلوس هنريكي كاسيميرو ومجموعة أخرى من المواهب. استطاعت هذه المجموعة إعادة البرازيل لمنصات التتويج في منتخب تحت 20 سنة بعد غياب دام سنوات، إذ تمكنوا في 2011 بقيادة المدرب ني فرانكو من الجمع بين بطولتي كوباأمريكا في البيرو وكأس العالم في كولومبيا. أحد أهم اللاعبين في البطولتين كان ابن ساوباولو كاسيميرو. في الفترة نفسها كان لدى ساوباولو مجموعة متجانسة ومواهب أيضاً جمعت ما بين لاعبين شباب لديهم الموهبة مثل كاسيميرو ولاعبين خبرة بقيادة ريفالدو. المدرب ني فرانكو يتولى زمام الأمور في ساوباولو بعد مسيرة ناجحة مع منتخب U20. كل هذه المؤشرات كانت توحي بإن الطريق ممهد أمام كاسيميرو نحو النجومية في كرة القدم، لكن ما حدث هو العكس تماماً. فرانكو الذي ضمه للمنتخب وراهن عليه، لم يعد مقتنعاً فيه وأبعده عن الفريق بل وطالب ببيع عقده. الخبير في كرة القدم البرازيلية كريس اتكينس حلل موقف كاسيميرو بعد ظهور أخبار عن اهتمام استون فيلا بالتعاقد معه. يقول كريس: «هو ذلك الشخص الذي امتلك الموهبة الخام لكنه هوى من الأعلى. بزغ نجم كاسيميرو في الدوري البرازيلي في بداية 2011 مع ساوباولو الذي بدأ الدوري بصورة ممتازة. صنع ثنائية جميلة مع ويلنغتون في منتصف الملعب مثيرة للإعجاب». يضيف كريس: «بعد أدائه المذهل ذهب كاسيميرو مع المنتخب إلى مونديال U20، إذ قدم هنالك أيضاً أداء ممتازاً. بعد عودته تراجع مستواه بشكل ملحوظ هو ولوكاس مورا، وسرعان ما انهار موسم ساوباولو. وصول دينلسون على سبيل الإعارة من أرسنال وإقالة المدربين المتكرر قاد كاسيميرو إلى الدكة. ومن هنا بدأ سلوكه يصبح مشكلة حقيقية، وتم انتقاده بكثرة من قبل مدربيه لأنه لا يعمل بجد ووزنه يزداد بشكل مزعج». يوضح كريس أكثر: «لم يتعافَ كاسيميرو أبداً، ساوباولو أنهى موسمه دون ألقاب بثنائية ويلنغتون ودينلسون في الوسط. حتى مع إصابة ويلنغتون في الركبة وغيابه الطويل، تم تجاهل كاسيميرو ولم يعد اللاعب الأساسي». ختم كريس تقريره فقال: «استمرت الانتقادات نفسها لكاسيميرو.. سوء في فهم أخلاقيات اللعبة وتدني المستوى البدني». في ذلك الوقت رأى مسيري استون فيلا دفع 6 ملايين يورو في كاسيميرو يعتبر مغامرة كبيرة وتم صرف النظر عنه. قطبا ميلانو أظهرا اهتماماً باللاعب، لكن لم يتم تقديم أي عرض رسمي وفقاً لوكيل أعماله الذي صرح لإذاعة تشي كوزا وقال: «في روما مهتمون جداً بالشاب كاسميرو. يمكنهم الحصول عليه مقابل 5 ملايين يورو فقط. وإذا استثمروا هذا المبلغ في لاعب شاب موهوب، عندئذ سيظهرون للعالم أجمع أن لديهم عيناً ثاقبة في المواهب الشابة». يقول وكيل اللاعبين في الفيفا ساباتو دورانتي: «قبل بضعة أشهر كانت قيمة كاسيميرو 10-12 مليون يورو، لكن اغتر بعض الشيء بعد أدائه المذهل في مونديال U20 وتراجع أداؤه بشكل ملحوظ». هنا ظهر ريال مدريد متمثلاً في كشافه جوني كالافات وقرر الرهان على هذه الموهبة رغم كل ما يحيط بها من تقارير سيئة. تعاقد النادي الإسباني مع كاسيميرو في يناير 2013 على سبيل الإعارة مع أحقية الشراء مقابل 6 ملايين يورو ليلعب مع الفريق الثاني «كاستيا». اختاره مورينهو مدرب الفريق الأول حينها للعب ضد ريال بيتيس بعد أيام من التعاقد معه. كانت هذه المباراة كفيلة لإقناع مورينهو وإدارة النادي بضرورة شراء عقده، وهذا ما حدث حينها. كُتِبَ في التاريخ أن مورينهو هو من وثق فيه وأعطاه الفرصة الكاملة. استمر لموسم مع الريال وحقق اللقب التاريخي الذي لا ينسى، لقب العاشرة. وفي الموسم الذي يليه تمت إعارته لموسم واحد فقط لنادي بورتو البرتغالي للعمل مع لوبتيغي الذي ساعده كثيراً في استخدام قدمه ورفع مستوى نضجه التكتيكي. في العام الذي يليه تحديداً 2015 عاد مرة أخرى إلى الريال ليبدأ حقبة تاريخية اسطورية. بعد عودته ساعد كاسيميرو الريال على تحقيق مجموعة ذهبية من الألقاب أهمها ثلاثية الأبطال التاريخية، 3 ألقاب ليغا. بجانب ذلك كان له دور فعال في غرفة الملابس بالذات مع اللاعبين الشباب القادمين من أمريكا الجنوبية مثل فالفيردي وفينيسيوس ورودريغيو. لطالما كان كاسيميرو ذلك اللاعب الذي استطاع تمثيل قيم الريال ومبادئه بأفضل طريقة ممكنة. طوال فترة تواجده في ريال مدريد، لم يصدر من كاسيميرو أي تصريح مسيء، ولم يبدر منه أي تصرف مزعج للجمهور؛ لذلك في حفل وداعه بكى الأغلب وتأثر الكل. جسر كبير من العاطفة تم بناؤه بين كاسيميرو والجمهور وكل من ينتمي للنادي. قلة قليلة من اللاعبين الذين تمكنوا من الخروج كما خرج كاسيميرو. أن تكون برازيلياً ينضم لريال مدريد ويستمر فيه 9 سنوات معظمها لاعباً أساسياً ومن ثم تخرج والجميع حزين لهذا القرار، فهذا يعني أنك عملت المستحيل ووضعت مصلحة النادي فوق كل شيء دائماً. من لاعب خسر ثقة كل مدربيه.. إلى قمة كرة القدم. من لاعب تم التعاقد معه مقابل 6 ملايين يورو فقط.. للاعب تم بيع عقده بعد تحقيق كل شيء معه مقابل 85 مليون يورو: حكاية تشرح لنا معنى الإصرار عند اللاعب والنظرة الثاقبة عند النادي.