ورث الثوابت النبيلة جينياً وفطرياً عن آبائه وأجداده.. استثنائي في تعامله وكرمه مع الناس.. أخذ عن والده وأسرته وقبيلته ومنطقته الانتماء والتواضع والإنسانية.. اكتسب من وطنه وقادته الولاء فاعتنق الوفاء.. نفسه غير المتثائبة جعلت منه رجلاً مسؤولاً بجسارة وتفانٍ وإخلاص ونجاح.. ذلك كله جعل منه أرشيفاً تاريخياً يمشي على الأرض.. أما إنسانيته ومواقفه وإلهامه ومكارم أخلاقه وتواضعه وموضوعيته؛ فحدث عنها ولا تتوقف فهي تلازمه ملازمة الظل لصاحبه.. فطنة، شفافية، بساطة، درر القول، ودقة بديهة. تلك الصفات لذلك الرجل وطني الجذور والوراثة، ورحلته الطويلة لنصف قرن خاضها في ميادين العطاء الوطني والمجتمعي؛ جعل قناة «إم بي سي» تستضيف عميد أسرة آل مشيط عبدالعزيز بن سعيد بن مشيط (محافظ خميس مشيط سابقاً) في برنامج «اللقاء من الصفر».. لقاء جمع عبق الماضي وإيقاع الحاضر.. احتوى الحكمة والخبرة والحنكة والفراسة والعفوية.. جمع الثقافة التاريخية، والطرافة الشيقة، والمواقف المؤثرة، والذاكرة الذهبية. ومن يطالع ذلك اللقاء لا يمكن أن يدخله الملل، إذ تحدث عن والده «سعيد بن مشيط» وإسهاماته زمن توحيد المملكة، وحبه العميق للمؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، واستقباله الحار لابنه الملك فيصل، يرحمه الله، أثناء زيارته للمنطقة، وزواج «الفيصل» من عمته الأميرة فاطمة آل مشيط التي أنجبت منه الأميرة منيرة (قصة ربما عرفها بعض الناس لأول مرة). كما تطرق إلى الكثير من الأحداث التاريخية والمواقف العملية والأسرية، فتحدث عن زواجه من كريمة الأمير حمد الماضي، وقصة وفاة ابنه «مشعل» في حادث مروري مؤسف، إذ حكاها وعيناه تغالبها الدموع في لحظة أبكت معها المشاهد. الحديث عن ذلك اللقاء التلفزيوني لا يتوقف، ولعلي أختم هذه العجالة بموقف قديم طريف ذكره: فحين كان معلماً في إحدى المدارس، طُبخ ذات مرة وجبة غداء داخل المدرسة، وهي مخالفة للأنظمة، وبالمصادفة زارهم «مفتش» الوزارة، فلم يكن من «المدير» إلا التخلص من الوجبة، ولكن رائحة الطعام طارت إلى أنف «المفتش» الذي كان راغباً مشاركتهم غداءهم، تدخل حينها «ابن مشيط» بشفافيته المعهودة فاعتذر من «المفتش» واستضافه في منزله وأكرم وفادته كعادة تلك الأسرة العريقة، التي تشتهر بكونها ملفى الوفود والضيوف.