لطالما كانت «الانطلاقة من الصفر» دلالة محفزة للنجاح في الظروف الطبيعية، ومستهلاً فعلياً للبدايات في أغلب الأحوال، لكنها في جائحة كورونا كانت الأشد إخافة والأكثر قلقاً، لأنها نقطة الانطلاقة المؤلمة التي أصابت صحة العالم واقتصاده في مقتل، غير أن المملكة اليوم تحتفي ب«الصعود إلى الصفر» وليس الانطلاقة منه، بعدما سجلت ولأول مرة صفر حالات وفاة منذ تاريخ 24 مارس 2020 حين أعلنت أول حالة وفاة حينها لمقيم أفغاني في المدينةالمنورة، ليتوقف عدّاد الوفيات القاسي لأول مرة عن رفد المزيد من ضحايا كوفيد، في مؤشر على اقتراب زوال الجائحة بشكل شبه تام، وكتابة السطور الأخيرة في قصص كفاح ناجحة واجهت فيها بلادنا أخطر وباء داهم البشرية وعاث في اقتصادها وأحوالها، حيث تمكنت من كبح انتشاره وتقليص تداعياته، بعدما وضعت صحة الإنسان أولاً وبذلت الأموال والجهود لذلك.. اليوم صعدنا إلى صفر الوفيات المنشود، وقريبا سنصعد بمشيئة إلى «صفر إصابات». الحكاية السعودية في مواجهة أشرس الأوبئة في العصر الحديث لا تكفيها الصفحات ولاتوفيها القصص، هي ملحمة أشبه بمعركة جنودها الجميع وخصمها مجهول، ومن بين جميع الجوانب المحيطة بأحداث كورونا في السعودية منذ فرض منع التجول إلى العودة التدريجية ثم توزيع اللقاحات ونزع الكمامات، ظل مشهد الوعي المجتمعي مع كل قرار حكومي هو الأكثر تجسيداً لجدية المرحلة واستيعاب الجميع لحساسية الوضع. وأشاد المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور محمد العبدالعالي بالدور الفاعل للوعي المجتمعي، وبالتعاون الذي أبداه أفراد المجتمع بشرائحهم وفئاتهم المختلفة، والتزامهم بالإجراءات الاحترازية، والذي انعكس إيجاباً في ارتفاع أعداد المحصنين في المملكة؛ حيث أسهم ذلك في تجاوز مراحل مهمة في مواجهة الجائحة، والحد من انتشارها، وكان له الأثر الملموس في انخفاض الحالات الحرجة والإصابات الناجمة عن «كورونا»، وارتفاع حالات التعافي. يربط البعض بداية المواجهة السعودية مع فايروس كورونا في مارس 2020، حين بدأت الحكومة في اتخاذ إجراءات صارمة في ما يتعلق بمنع التجول وتقييد حركة السفر وإتاحة العمل والتعليم عن بعد، إلا أن المتتبع لخطوات الحكومة يلحظ أن أول القرارات الوقائية الصادرة كان بتاريخ 27 يناير 2020 قبل شهر من تصنيف منظمة الصحة العالمية الفايروس بأنه «جائحة»، إذ بدأت وزارة الصحة تطبيق الإجراءات الاحترازية في المنافذ وفرز وفحص القادمين من الصين بمختلف الجنسيات. تميزت المكافحة السعودية منذ البداية بنهج شامل وشفاف لمكافحة الوباء، منذ التكفل بكافة مصاريف اختبار ومعالجة الفايروس لجميع السكان، بغض النظر عن جنسيتهم أو وضعهم القانوني، ثم التوسع في تقديم اللقاحات بذات الصيغة للجميع دون تفرقة، ومحاسبة المخالفين للقوانين الصادرة لمكافحة الفايروس دون تمييز. ويرى السعوديون أن الإجراءات المتخذة منذ بداية الأزمة كانت من أجل المصلحة العامة، ويشيد السعوديون بمواجهة بلادهم الاحترازية المبكرة ضد الفايروس، حتى إن العديد من الدبلوماسيين المقيمين في المملكة أشادوا في حوارات متعددة بالقيادة السعودية التي وضعت «صحة الإنسان» أولاً لضمان سلامة مجتمعها. ورغم أن عام 2020 كان صعباً للغاية منذ اندلاع الجائحة، إلا أن نهايته كانت محملة بالبشائر للسعوديين، مع وصول أول دفعة من لقاح «فايزر» للبلاد، وبدء مرحلة جديدة في المواجهة مع الجائحة والتحول من متابعة أرقام الإصابات إلى أعداد الجرعات المعطاة. ومثل عام 2021 بداية انفراج الأزمة التي أرهقت بتداعياتها العالم أجمع، واستطاعت المملكة أن تكون ضمن الدول الأولى الموفرة للقاح، لقناعة علمائها أن اللقاح الخطوة الأهم في مواجهة هذه الجائحة. ودخل التوسع في إعطاء اللقاحات بالمملكة مرحلته المهمة في مارس 2021، بعد عام من الجائحة المميتة، ووصلت مراكز تقديم اللقاحات إلى أكثر من 500 مركز تقدم أنواعا مختلفة من اللقاحات ذات الكفاءة والمأمونية، وكان لهذا الانتشار والتوسع والجهد المبذول لتحقيق المناعة المجتمعية صداه على أبناء المملكة الذين لم يتوانوا لترك بصمتهم في مرحلة سيتذكرها التاريخ جيداً، بمشاركتهم بالعمل أو التطوع بهذه المراكز؛ من خلال تقديم المساعدة وخدمة المستفيدين. بادرت شخصيات وأسماء بارزة عديدة من قيادات الوطن باتخاذ خطوة تلقي اللقاح؛ للتشجيع وزيادة الثقة على سلامة اللقاح وفعاليته، وكان من أبرزهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وعدد من الأمراء والوزراء؛ تأكيداً منهم على أن سياسة المملكة تكمن في الوقاية دائماً قبل العلاج. رغم أن العالم مني بموجات ثانية وثالثة ورابعة من الوباء، إلا أن المملكة نجت من أي موجات ضاربة تعيد الخوف في قلوب سكانها بالمتابعة المستمرة للجهات المختصة لأي تحديثات عالمية، والأهم كان في سر التدرج في تخفيف الإجراءات الاحترازية والعودة لفرض إجراءات محددة متى ما دعت الحاجة.