لم تثر مسلسلات التلفزيون هذا العام صخباً كما كانت تفعل في أعوام خلت. يعود الأمر في ظني إلى خروج القنوات الفضائية من مركزية المتعة عند الجماهير. توسعت الخيارات أمام الناس. نلاحظ أن كمية السخافات التي توفرها السوشال ميديا تفوق تلك الكمية التي كانت توفرها القنوات الفضائية آنذاك. سحبت السوشال ميديا من القنوات الفضائية حصرية السخافة. والشيء الآخر لم يعد رمضان موسم المسلسلات بعد دخول البث عبر النت، ولم يعد الالتزام بثلاثين حلقة قائماً. اختلت موازين كثيرة في علاقات الناس بالمحطات التلفزيونية. نحن أمام انتقال لعهد جديد فرضه علينا الأمريكان بتقنياتهم المتعددة. مع الأسف لم يبقَ لنا من الماضي سوى اعتقاد واحد، أن المملكة تفتقر إلى كاتب السيناريو. تفهم من ذلك أن كل شيء جاهز (ممثلين، مخرجين، فنيين، شركات إنتاج). أين ذاك المبدع الذي يدمج كل هذه العناصر لنتمكن من منافسة هوليوود؟ كل فشل يواجهه عمل تلفزيوني في المملكة يبرر بغياب هذا المبدع. حتى الممثلين لا يدركون أن كلمة كاتب لا علاقة لها بكتابة السيناريو. نشأ الوهم من الصدفة التي جعلت كاتب السيناريو والكاتب الحقيقي يلتقيان على وسيلة واحدة لإنتاج عملهما. الورقة والقلم. إذا كان كاتب السيناريو كاتباً فكاتب الصكوك وكاتب العرائض يدخلان في زمرة الكتّاب. كاتب الرواية أو الزاوية يكتب ليذهب عمله المكتوب إلى القراء مباشرة. قراء كاتب السيناريو عددهم محدود جداً مثله مثل كاتب العرائض. على كاتب الرواية كامل مسؤولية النجاح والفشل بينما كاتب السيناريو يشترك مع آخرين في الفشل والنجاح، وفي الحقيقة في الغالب لا يشترك في شيء. فشل ونجاح العمل التلفزيوني يعود إلى الممثل والمخرج والمنتج والظروف الموضوعية كالميزانية الخ. ما يكتبه الروائي على الورق هو آخر مراحل تطور النص. ما يكتبه كاتب السيناريو يمثل العتبة التي سيصعد عليها الجميع للوصول إلى العمل النهائي. عمل كاتب السيناريو سيتحول إلى جنس فني آخر. لا قيمة لما كتبه على الورق بعد إنتاج العمل. سترمى أوراقه في سلة المهملات. لا أحد يلتفت إلى اسمه على التتر باستثناء أهله وأصدقائه. من منّا يتذكر اسم كاتب واحد من كتّاب السيناريو الأمريكان. كاتب السيناريو إنسان يسند إليه عمل محدد يكتبه بتوجيه من المنتج أو الممثل فيكتب ما يريدان له أن يكتب. بخلاف كاتب الرواية أو القصة؛ لا أحد يملي عليهما ما يكتبانه. لن يأتي أحد ويطلب من كاتب الرواية أن يكتب له عن معاناة الفقراء في رمضان أو زحمة الشوارع. خيال كاتب السيناريو خيال مهني يلبي طلبات العملاء. لا يستطيع أن يخرج عن الميزانية ورغبة زبائنه وليس غريباً أن نص السيناريو يكتب في كثير من الأحيان بشكل جماعي. تكوين فريق من البشر تسند إليهم فكرة محددة. لخص أي مسلسل ستكتشف أن قصة المسلسل كاملة لا تتعدى صفحات معدودة والمشهد الذي استغرق خمس دقائق على الشاشة ربما لا تستغرق قراءته على الورق خمس ثوانٍ. في النهاية الكاتب يحتاج إلى طاقة إبداعية وقدرات لغوية، بينما السيناريست لا يحتاج بالضرورة أن يميز بين الهمزة والطاء. كورس كورسين تصبح كاتب سيناريو. كتابة الرواية لا. كاتب السيناريو رجل مهني ينشأ مع نشوء صناعة الإنتاج، غيابه أو ضعفه يعني غياب أو ضعف صنعة الدراما في البلد.