إن يوم التأسيس هو مناسبة جديدة، يَستدعي من خلالها المواطن الذاكرة الوطنية، ويقف على العمق التاريخي لتاريخ المملكة العربية السعودية، إذ هو يوم الانطلاقة لبداية تاريخ الدولة السعودية الذي بدأ في يوم 30/ 6/ 1139 على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-. كانت الحالة السياسية قبل حكم الإمام محمد بن سعود، مضطربة في جميع نواحيها، مفككة الأوصال، لا توجد رابطة تجمع أقاليمها، حُكامها مختلفو الكلمة، متباينو النزعات، وتجد الفتنة ضاربة أطنابها في المنطقة، وهذا يعود إلى التشتت والفوضى والفرقة القائمة خلال نلك الفترة. وفي ضوء تلك الاضطرابات، كان الإمام محمد بن سعود، وما اتصف به من صفات القيادة والحنكة السياسية، يراقب الأوضاع السياسية المحيطة به، وبعد تجربة سياسية اكتسبها من والده الأمير سعود بن محمد، أدرك أن الضرورة قد آن أوانها بقيام مشروع الدولة، والانتقال بمشروع دولة المدينة، إلى الدولة الشمولية الواسعة التي تهدف إلى الوحدة. كما أن من إنجازات هذه المرحلة، الاستقلال السياسي، إذ تمتعت الدرعية باستقلال تام ولم تخضع لأي قوة خارجية مقارنة بغيرها من بعض المدن الأخرى، إضافة إلى تعزيز الإمام محمد لقوة الدرعية العسكرية، وتعزيز مواردها المالية، وتقوية مجتمعها وتوحيد أفراده في سلطة سياسية كان على رأسها. كما قام الإمام محمد ببناء علاقات ودية مع المدن النجدية والحفاظ على استقرارها السياسي، ولعل خير مثال على ذلك، عندما ساعد على استقرار الرياض ودعم حاكمها الأمير دهام بن دواس بقوة عسكرية بقيادة الأمير مشاري بن سعود. كما شهدت هذه المرحلة إنشاء الإمام محمد لحي جديد في سمحان وهو حي الطرفية، بعد أن كانت «غصيبة» مقراً لحكمه ولفترة من الزمن. كما أن الإمام محمد بن سعود ناصر الدعوة الإصلاحية وأسهم في حمايتها. قام الإمام محمد بقيادة الجيوش وأسند القيادة بعد ذلك لابنه الإمام عبدالعزيز، واستطاع توحيد أغلب المناطق النجدية، وارتكزت سياسته على الحكمة والصبر والتأمل والرؤية المستقبلية في توحيد تلك المناطق، وهذا عائد لقراءته الدقيقة للمشهد السياسي؛ ففكرة الاستقلال الذاتي، ورفض مفهوم الدولة الواحدة كان مسيطراً في ذهنية الكثير من الحكام المحليين، وبسبب هذه النزعة الاستقلالية الذاتية، لم يكن من المستغرب أن يوصي الإمام محمد ابنه الإمام عبدالعزيز بضرورة اتخاذ سياسة الحكمة في توحيد مناطق الجزيرة العربية، وهذا ما حدث فعلا في عهده وما بعد وفاته، حيث استغرق ضم بعض البلدان سنوات طويلة، وظهرت جلياً نتائج سياسته الحكيمة على عهد حفيده الإمام سعود، عندما بلغت الدولة السعودية أوج اتساع لها عبر تاريخ الجزيرة العربية. استطاع الإمام محمد الحفاظ على ما قام به من إنجازات تمثلت في تعزيز القوة العسكرية للدولة وحماية مكتسباتها الجديدة، كبناء سور الدرعية ومواجهة الأخطار الني أرادت النيل من الدولة والقضاء عليها في عام 1172ه و1178ه، وكذلك القدرة على حماية طرق قوافل الحج والتجارة، مما أدى إلى قيام حالة استقرار سياسي واقتصادي في المناطق التي سيطر عليها الإمام محمد في وسط نجد. كما أن من أعمال الإمام محمد في هذه المرحلة قيام إرهاصات التنظيمات الإدارية والقضائية والمالية، كتعيين أمراء المناطق والقضاة والدعاة ورجال الحسبة وإحياء نظام الحسبة واستبدال الإتاوة بالزكاة.