يُعد الروائي والمسرحي العظيم إيفان تورجينيف من أهم الكتاب الروس في القرن التاسع عشر، بل يعتبر أحد أهم كتّاب الواقعية التي في مجملها تعبير عن ما هو موجود سواء أكان الحدث الواقعي أو الإحساس العميق به إضافة لمعلم المذهب الواقعي الأول النرويجي هنريك أبسن.. كتب تورجينيف العديد من الأعمال المسرحية «كالطفيلي» و«شهر في الريف» و«إفلاس» وقضى تورجينيف معظم حياته في أوروبا وتحديداً في فرنسا بعد انتقاله إليها بجانب المرأة الفرنسية المغنية التي عشقها، وتعرف كذلك على العديد من المفكرين والأدباء الفرنسيين كدودي واميل زولا.. تورجينيف قيل عنه إنه كان ساخراً شديد السخرية متشائماً شديد التشاؤم، بخيلاً حد الكفاية جعل معظم أعماله المسرحية تهتم بالإنسان وبمصيره وعواطفه ومشاعره وعاش وسط مجتمع غير مستقر، وكان شديد الغيرة على الطبقة البسيطة، ويحارب دوماً طبقات النبلاء والبرجواز، واهتم وبشكل مغاير في أعماله على إبراز الفكرة وأولاها اهتماماً كبيراً على حساب التفاصيل بدليل أنه ألبس البطل «جازيكوف» في مسرحيته «إفلاس» لباساً واحداً في كل مفاصل العمل من البداية مروراً بالعقدة وحتى لحظة الانفراج، إذ كان يمثل نموذجاً لإحدى الطبقات الاجتماعية البرجوازية التي كانت سائدة في عصره فهو الشاب النبيل في طبقته الذي يهاجر إلى العاصمة وينفق ما ورثه على اللهو والفساد ونتيجة ذلك غرقه في الديون. «يدق جرس الباب فيهرب جازيكوف خلف الستار وهو يهمس لخادمه (ماتفي).. لا تستقبل أحداً.. أخبرهم أنني خرجت منذ الصباح الباكر... (يُطرق الباب) وصوت الإسكافي: هل السيد بالمنزل؟ ماتفي: كلا.. صوت الإسكافي: يا إلهي...أهو غير متواجد؟ ماتفي: ليس بالمنزل.. قلت لك..! صوت الإسكافي: أنا بحاجة للمال.. سأنتظره. هذا عاااار عليه..! نبيل يتصرف هكذا..! هذا أمر مشين..! أعطيه المال ثم أجري وراءه لأبحث عنه؟ هنا يصل (دائن آخر) أحد التجار ويقول: أما يزال سيدك نائماً؟! ماتفي: لقد خرج.. التاجر: إن المبلغ الذي أدينه به تافه ومع هذا فقد استهلكت حذائي في سبيل تحصيله..! وتصل فتاة أيضاً وتناول ماتفي ورقة وتقول له لقد جئت بالفاتورة وقد أمرتني سيدتي أن آتي بالمبلغ اليوم... يتوالى في المشهد وصول الدائنين في حين يتولى الخادم تصريفهم تباعاً، ومع ذلك فالنبيل جازيكوف يستقبل مربي الكلاب ليبتاع منه كلباً دون مقابل وبعد حوار طويل يقول له صاحب الكلب: - من الواضح أنه لا يوجد مع فخامتكم أي نقود على الإطلاق.. ويحاول جازيكوف أن يفتح له نوافذ أخرى للبحث عن المال والشهرة بكل الوسائل والطرق غير الأخلاقية واللا إنسانية خاصة وهو لا يريد العودة للريف، وفي أثناء ذلك يتصادف مع أحد أصدقائه الذي يقدم له المال الوفير ويجعله ينسى حتى خادمه «ماتفي»، الذي يحدّث نفسه قائلاً: لقد ولت أيامك أيها العصر الذهبي وأنت في طريقك إلى الزوال يا جيل النبلاء.. هكذا صوّر لنا «إيفان تورجينيف» بطل هذه المسرحية في لحظات كثيرة من الصراع الداخلي والخارجي والإفلاس الأخلاقي والسمو والنبل والخداع، وهي الأوهام والخيالات والخديعة التي عاشها «جازيكوف» بطل المسرحية.