ينقسم الناس في تفسير النقص الواضح في تمثيل المرأة في الإدارة، في الغالب، إلى قسمين: القسم الأول يرى أنها غير قادرة وأن الرجل أفضل منها في القيادة. أما القسم الثاني فيرى أن المرأة قادرة على الإدارة. ولكن يوجد «سقف زجاجي»، حواجز غير مرئية بسبب الصور النمطية المتحيزة ضد المرأة، يمنعها من الوصول إلى مناصب الإدارة العليا. ولكن تفسيراً ثالثاً قد يكون الأكثر منطقية خلف التفاوت في نسبة الجنسين في الإدارة، يتعلق بعدم قدرتنا على التمييز والفصل بين الثقة الشخصية والكفاءة القيادية. عندما نناقش الصفات التي يجب أن يجسدها القائد، فنحن في الغالب لا نفحص التحيزات التي تجعلنا نفترض أن شخصاً ما لديه ما يلزم من صفات القيادة الفعالة. فمن وجهة نظر ثقافتنا، التي نمَّطَت دور المرأة في المجتمع ووضعته في قالب ضيِّق، ترى أن الرجال قد تولوا تاريخياً مناصب أكثر قوة، فمن المتوقع أنهم أكثر أهلية وحزماً من المرأة. والحقيقة أن المشكلة ليست في جنس القائد الكفء، بل في صفاته الشخصية. وكما نعلم أن الصفات الشخصية بين الرجل والمرأة مختلفة، فمثلاً في ما يتعلق بعلاقة الجنس بالنرجسية، فإن اضطراب الشخصية النرجسية الكامل يكون أكثر شيوعاً بثلاث مرات بين الرجال منه لدى النساء. يُظهِر كثير من الدراسات أن الأشخاص الواثقين أكثر إقناعاً، وأن الأشخاص النرجسيين يتسلقون السلم الوظيفي أسرع من غيرهم المتواضعين. بالإضافة إلى ذلك، وجد أحد الأبحاث أن المجموعات التي ليس لها قائد تميل إلى انتخاب الأفراد ذوي التمركز حول الذات، ثقة زائدة، ونرجسية كقادة. ولأن هذه الصفات أكثر ارتباطاً تقليديّاً بالذكورة، فإنها تؤدِّي بلا وعي إلى تحيز على أساس الجنس. الأمر المؤسف أن المدير سيفشل على وجه التحديد في امتلاك هذه السمات، كما حدث في انهيار شركة «إنرون» 2001م، مررواً بالأزمة الاقتصادية العالمية في 2008م وأخيراً جائحة كورونا، فكل أزمة يواجهها العالم هي في النهاية أزمة قيادة. في حديث وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن القيادة قبل أيامٍ قال: «لن ينجح أي وزير إذا كان يتحلى بالأنا المضخمة، لأنه سيجد نفسه في صراع مع زملائه حول مَن المستحِق الأكبر لهذا الإنجاز، فبدلاً من التركيز على تحقيق الإنجاز يهدر الجزء الأكبر في مَن يُنسب إليه هذا الإنجاز». وهذا درس مهمّ في أهمية التركيز على الصفات الشخصية للقائد. الشخص المتغطرس، الباحث عن الأضواء، لا يتمتع عادةً بالموهبة القيادية التي غالباً ما تعكس مستوىً متواضعاً من مهارات الذكاء العاطفي: الوعي والتحكم الذاتي، وتفهُّم مشاعر الآخرين، والإنصات، وغيرها. الموهبة القيادية الفعلية تمكّن القائد من تشكيل فريق عمل عالي الأداء، وإلهام المرؤوسين بالتخلي عن الأنانية وحب الذات والعمل من أجل مصلحة الفريق. لذلك، وبغضّ النظر عن مجال القيادة، فإننا كثيراً ما نتفق أن أفضل القادة عادة ما يملكون مهارات عالية من الذكاء العاطفي، وهو محرّك قوي للسلوكيات المتواضعة. بالتالي فإن السمات الشخصية الأنثوية التي طالما كان يُردَّد في المجتمع بسببها أن المرأة لا تصلح للقيادة (التعاطف والإيثار والتعاون...) هي في الحقيقة نقاط قوة. خلاصة القول، إن النموذج الأنثوي في القيادة، المبنيّ على التواضع والتعاون والتعاطف، يجب أن يُشجَّع في الإدارة. وحتى نتمكن من تحسين كفاءة قادتنا، فعلينا أولاً أن نحسِّن قدرات مَن يختارون القيادات ونصحّح نظرتهم المغلوطة عن الكفاءة، حتى لا يُقصَى القادة الحقيقيون (رجالاً أو نساءً) لافتقارهم إلى الصفات السامَّة المغلوطة عن الكفاءة (الثقة المفرطة والغطرسة والنرجسية).