تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، افتتح مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل، اليوم، اجتماع مجموعة الرؤية الإستراتيجية «روسيا والعالم الإسلامي»، الذي يعقد هذا العام بمحافظة جدة تحت شعار «الحوار وآفاق التعاون»، بحضور الرئيس رستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية، ومشاركة المسؤولين والعلماء والمفكرين من روسيا الاتحادية ودول العالم الإسلامي. واستهل الاجتماع الأمير خالد الفيصل بكلمة ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين فيما يلي نصها: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين أصحاب الفخامة والسمو والمعالي الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أستهل حديثي بالترحيب بكم نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وأنقل لكم تحياتهما وتمنياتهما الصادقة بنجاح هذا الاجتماع. نجتمع اليوم في منطقة مكةالمكرمة ليكون ثاني اجتماعٍ للمجموعة الموقرة في بلد الحرمين وأرض الرسالة ومهبط الوحي. كما أرحب بالسيد رستم مينيخانوف رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية رئيس جمهورية تتارستان، التي دخل الإسلام فيها منذ القرن الرابع الهجري، ونشرت حينها الإسلام، وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف حتى عصرنا هذا، ومن ذلك احتضان مدينة قازان لأول جامعة إسلامية في روسيا. كما أُرحب بأصحاب الفضيلة، وأمناء العموم للمنظمات، والحضور الكريم. تؤكّد المملكة أهمية هذا الاجتماع الإستراتيجي بين العالم الإسلامي وروسيا الاتحادية في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتكثيف سُبل الحوار بين أتباع الأديان والحضارات، وزيادة التعاون المشترك في مكافحة التطرف والإرهاب. يتّسم الدين الإسلامي بالتسامح والوسطية، وهذا ما أعطاه قبولاً لدى البشرية بمختلف أجناسها وأعراقها، وللمملكة دور مشرّف في تبني مبادئ الاعتدال والتعايش المشترك، حيث سعت جاهدة لدعم الجهود الإقليمية والدولية في هذا المجال، وقدمت العديد من المبادرات في هذا الشأن، أبرزها: تبني وثيقة مكة، ودعم مكتب تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، وتلتزم المملكة بدعم أي جهود مستقبلية تهدف لخدمة هذه المبادئ، إيماناً منها أن الاختلاف لا يعني الخلاف وأن التسامح يدعو للتسامي. الإخوة الكرام إن العلاقات السعودية الروسية وطيدة وتاريخية، فقد تجاوزت عامها الخامس والتسعين، وقد شهدت العلاقات قفزات نوعية في السنوات الأخيرة، وتوّجت بزيارات عالية المستوى بين البلدين، أسفرت عن التوقيع على العديد من الاتفاقيات المشتركة في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والدفاعية، ومهدت الطريق لتطوير هذه العلاقات وترسيخ مستوى الثقة بين بلدينا. تشترك المملكة مع روسيا في مبادئ رئيسية عدة، منها احترام الشرعية الدولية، وتأسيس العلاقات على أساس الاحترام المتبادل وسيادة واستقلال ووحدة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتتمسك الدولتان بالالتزام بنظام عالمي عادل يسوده القانون الدولي، ويُعزز الأمن والاستقرار، ويكون مرجعاً في حل النزاعات الإقليمية، كما تتمتع كل من المملكة وروسيا بعضوية مجموعة العشرين، ومجموعة أوبك بلس، مما مكنّهما من العمل الجماعي في إطار هاتين المجموعتين لتعزيز التعاون الدولي. كما تُشاطر روسيا العالم الإسلامي اعتناق مبادئ راسخة، باعتبارهما يشتركان في الإرث الثقافي العريق، وهذا يُمهد الطريق لتفعيل دور المؤسسات الدينية، وتنمية بيئة داعمة للتعايش السلمي بين أتباع الأديان والأعراق المختلفة، والمحافظة على دور الأسرة والقيم الروحية، وحماية حقوق الإنسان. كما تربط روسيا بالعالم الإسلامي علاقات متينة متجذرة، ويظهر ذلك في وجودها عضواً مراقباً في منظمة التعاون الإسلامي لأكثر من (15 عاماً)، وأسفر ذلك عن تعاون مثمر مع المنظمة، كما يعيش في روسيا أكثر من (20 مليون) مسلم في وئام مع مجتمعاتهم، ويتمتعون بحقوق ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. إن ديناميكية علاقة الدول الإسلامية بروسيا متشعبة ومتنوعة، وتهيئ لمد جسور التعاون العلمي والتكنولوجي وتعزيزها في مجالات التنمية، والتعليم، والبرمجيات، وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة. الإخوة الكرام لقد أظهرت التحديات الأخيرة التي تواجه عالمنا أننا جميعاً في مركب واحد، فلا توجد دولة أو منطقة في معزل عمّا يدور في العالم، وينطبق ذلك على النزاعات السياسية، وانتشار الأوبئة، والركود الاقتصادي,،والتغير المناخي، بالإضافة إلى العديد من الأحداث والكوارث العالمية الأخرى، ومن هذا المنطلق تدعو المملكة دول مجموعة الرؤية لتعزيز التعاون المشترك لمواجهة هذه التحديات من أجل الخروج بأقل الأضرار التي قد تؤثر في مستقبل شعوبنا، حتى نصل سوياً إلى بر الأمان. إن التعاون الاقتصادي عصبٌ للترابط بين دول العالم الإسلامي وروسيا، وهناك فرص مواتية لدول مجموعة الرؤية، لتكوين شراكات اقتصادية متينة في مجالات عدة منها المنتجات الحلال، والتمويل الإسلامي، وعلينا استثمارها والعمل على تنميتها. وفي الختام، آمل أن تسهم هذه المجموعة في تعزيز الوئام بين أتباع الأديان، وتطوير الحوار بين الحضارات والثقافات، وحماية القيّم التقليدية والروحية والعائلية التي تعصف بها اليوم رياح التغيير، مما يدفعنا إلى مواجهتها والاصطفاف لدرء مخاطرها لنسير بخطى ثابته نحو التقدم والسمو.