في واحدة من رسائله المفيدة الجذابة غير المنسوخة مثل بعضهم؛ وصلتني رسالة من الزميل العزيز الدكتور محمد السلومي، الباحث في الدراسات التاريخية ودراسة العمل الخيري، تتحدث عن ذلك النجم المتألق في سماء الحضارة الإسلامية، والمبدع في الميادين الجغرافية والفلكية والرياضية والتاريخية، والمتألق في الترجمة والطب والفيزياء، ومؤسس علم الأدوية والمعادن والجواهر، وأول من قال بدوران الأرض وعرف مقياس محيطها، وافترض أن هناك أكثر من قارة تفصل بين آسيا وأوروبا، وأول من فرق بين سرعتي الصوت والضوء، وابتكر نظاماً رياضياً لتحديد بداية الفصول، وكشف عثرات من سبقوه المبنية على الشك والتخمين بالدليل، كما ذكر في إحدى مقدماته، فأثنى عليه الكثيرون فلقبوه ب«الأستاذ». إنه أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، المولود في أوزبكستان في 362 للهجرة، وعمّر 79 عاماً، فكان من أكابر علماء المسلمين المميزين، بل أعظم عقلية عرفها التاريخ، كما وصفه المستشرق الألماني «سخاو». كتبه النابعة من آبار ارتوازية عذبة (تفوق على 140 مؤلفاً)؛ للأسف لم يتم الاهتمام بها إلا في الغرب، وبعد عقود من وفاته، ومما يؤلم كثيراً ما يقال عن تلك العلوم أنها لا تنتمي لنا، ولا علاقة لها بثقافتنا طالما طالته تهمة الابتداع أو الزندقة التي كانت السلاح الوحيد ضد العلماء والمفكرين حينها. البيروني كما تدل سيرته؛ مسلم متعصب للعربية، ومدافع عن الإسلام، ويكفيه مشاركته في حملات المجاهد محمود الغزنوي في الهند لأكثر من 20 عاماً، وهو القائل في أحد كتبه: «الهجاء بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية». وعلى العموم؛ فإن الكثير من مفكري وعلماء المسلمين إن لم يتعرضوا للتكفير فقد تعرضوا للسجن والتعذيب، وأعداء الدين يقفون عند كل محطة لزرع بذور الشقاق والفتنة، وما حدث للبيروني وغيره ربما تقف وراءه أطراف هوى وجماعات بغض قد يجيرون الخلاف لمصالحهم الفكرية أو العقدية، وإذا لم نستطع الحكم على أناس تعيش بيننا وفي عالمنا الإسلامي اليوم، فكيف نتقبل تلك الاتهامات لأناس قد أفضوا إلى خالقهم لأكثر من عشرة قرون؟.