عندما كانت الهيئات الدولية المعنية بالآثار الكلاسيكية، اواخر العام 1999 ومطلع العام 2000 تُرسل البعثات الى افغانستان، لثنْي حكومة طالبان عن تدمير التمثالين البوذيين في منطقة باميان، تنبهْتُ الى ان الآثار البوذية هذه، لا تثير اعجاب الغربيين من علماء الآثار والأديان فقط، بل ان المسلمين القدامى كانوا شديدي الإعجاب بها ايضاً. فياقوت الحموي -626ه/ 1228م يقول في "معجم البلدان" واصفاً مدينة باميان وآثارها، انها "بلدة وكورة في الجبال بين بلخ وهراة وغزنة... بها قلعة حصينة... وبها بيت ذاهب في الهواء بأساطين مرفوعة منقوش فيه كل طير خلقة الله تعالى على وجه الأرض... وفيه صنمان عظيمان نُقرا في الجبل من اسفله الى اعلاه يُسمى احدهما سُرخ بُد بوذا الأحمر، والآخر خنْك بُد بوذا الأشهب، وقيل - والقولُ لياقوت ايضاً - ليس لهما في الدنيا نظير...". لكن ياقوتاً الذي يظهر انه شاهد تلك المعالم بأم العين، لا يعرف انها تماثيل لبوذا، بل يخلط شأنه في ذلك شأن رحالة آخرين، في التعريف بها، بينها وبين المجوسية الزرادشتية تارة، وبينها وبين المانوية او المنانية نسبة الى ماني المقتول عام 274م تارة اخرى، وبينها وبين الهندوسية تارة ثالثة. وهو يذكر عن البيت او المعبد "الذاهب في الهواء" انه يأوي إليه الزُعّار، اي قُطاع الطرق واللصوص. ويعني ذلك ان البوذية كانت قد اختفت من الباميان في زمانه. ويدل على ذلك عدم معرفته بأصل كلمة البد، اذ يحسب انها تعني ب"لغة الهند" الصنم او الوثن، وليس صورة بوذا او تمثاله. اما ابن النديم 377ه/ 987م والذي كتب عن البُدّ وجمعه على بَدَدة! قبل ياقوت بما يزيد على الخمسين والمئتي عام، فيعتمد على مصدر كتابي واحد فيخطئ ويصيب، لكنه - بخلاف ياقوت - يضطرب تماماً في الجغرافيا وتحديد اماكن وجود البددة! يقول ابن النديم عن معنى البد: "اختلفت الهند في ذلك، فزعمت طائفة انه صورة الباري تعالى جدُّه. وقالت طائفة: صورة رسوله إليهم... والرسول ملك من الملائكة، او بشر من الناس... وقالت طائفة: هذه صورة بوداسف الحكيم الذي اتاهم من عند الله جل اسمه. ولكل طائفة منهم طريقة في عبادته وتعظيمه". اما تمثالا الباميان فيضعهما صاحب الفهرست بالمُلتان، ويضيف: "ولهم صنمان يقال لأحدهما جنبُكت وللآخر زانبكت، قد استُخرجت صورتاهما من طرفي واد عظيم، خُرطا من حجار الجبل، يكون ارتفاع كل واحد منهما ثمانين ذراعاً، يُرى من مسافة بعيدة... والهند تحج إليهما وتحمل معها القرابين والدَخَن والبخورات...". وعلى اي حال، فبعد هذه التصورات المختلفة للبُد، وللمعابد التي ينتصبُ فيها، والأماكن التي ينتشر عليها، صار بعد القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي عَلَماً على الصنم او الوثن او التمثال الضخم الذي يقف امامه السمنيّ متعبداً، ولذلك فإن المتصوّف المغربي عبدالحق بن سبعين 667ه/ 1268م وقد كان رجلاً متفرداً في التفكير والتصرف، سمّى كتابه الصوفي الرئيسي: بُد العارف، اي قبلتَه او متعبَّده! وإذا كانت شحّة المصادر، وندرة الاتصالات او المقابلات بين المسلمين وأتباع البُدّ قد حالت في النهاية دون التعرف الحقيقي على موقع البد او بوذا في ذلك المذهب الغريب، فكذا كان الأمر مع المصطلح/ المفتاح الآخر: السّمَنية او الشامانية، اي الرهبان او النسّاك البوذيين. أقدم الإشارات الى هؤلاء نجدها في مصدر غير متوقع هو رسالة احمد بن حنبل 241ه/ 855م المسماة: الرد على الجهمية والزنادقة. يقول احمد: "... كان مما بلغنا من امر الجهم بن صفوان عدو الله انه كان من اهل ترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام. وكان أكثر كلامه في الله تعالى، فلقي أناساً من المشركين يقال لهم السمنية، فعرفوا الجهم فقالوا له: نكلّمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك دخلنا في دينك. فكان مما كلّموا به الجهم أن قالوا له: ألست تزعم ان لك إلهاً؟ قال الجهم: نعم، فقالوا له: هل رأيت إلهك؟ قال: لا، قالوا: فشممت له رائحة؟ قال: لا، قالوا: فوجدت له حساً؟ قال: لا..." وانتهى الأمر بالجهم بحسب رواية احمد ان تحير اربعين يوماً، ثم اهتدى للتدليل بالروح، اذ قال للسُمني: ألست تزعم ان فيك روحاً؟ وأنت لا تراه ولا تسمع كلامه ولا تحس به، فكذلك الله... فحجّ السمنية! ولا ندري مدى دقة هذه الرواية او صحتها، وإن يكن اصلها ممكناً. إذ يبدو ان مدن بلخ والباميان وترمذ، كان ما يزال فيها في النصف الأول من القرن الثامن الميلادي بوذيون، او ان البوذيين كانوا لا يزالون يأتون من اعماق الهند وتركستان للحج الى المعابد الكبرى والتاريخية لتلك المدن. وقد فهم المسلمون من هذه القصة، وقصص مشابهة ان السمنية هؤلاء يقولون بقدم العالم، ويرون انه لا معلوم إلا من جهة الحواس. كما ان اكثرهم ينكرون المعاد والبعث بعد الموت. ويقول فريق منهم بتناسخ الأرواح. ونفهم من ابن النديم، في المعلومات التي نقلها عن كتاب قديم في تاريخ خراسان ان السمنية هؤلاء لهم نبي اسمه بوذاسف: "وعلى هذا المذهب كان اكثر اهل ما وراء النهر قبل الإسلام وفي القديم...". وبذلك يصبح الاسم علماً على الديانة او المذهب المرتبط بالبد او بوذا. ويبدو لأول وهلة ان هذه "المعلومات" تشكّل حصيلة طيبة للتعرف على البوذية. وهذا على رغم ان مفاهيم قدم العالم والبعث موافقةً او انكاراً لا ترد ضمن عالمهم الفكري او الاعتقادي. ويضاف الى ذلك التأويل الغريب لرياضاتهم الرافضة للدنيا بأنه سخاء وكرم. ويقول ابن النديم نقلاً عن كتاب اخبار خراسان السالف الذكر، والذي يصفه بأنه قديم ان بوذاسف نبي السمنية "اعلمهم ان اعظم الأمور التي لا تحل، ولا يسع الإنسان ان يعتقدها ولا يفعلها قول لا، في الأمور كلها. فهم على ذلك قولاً وفعلاً. وقول لا عندهم من فعل الشيطان..."! والواقع ان البوذية ما كانت واسعة الانتشار بإيران قبل الميلاد او بعده، وأن انحسارها الرئيسي كان عن الهندوأفغانستان، وليس عن ايران إذ لم تكن موجودة فيها إلا بخراسان. وهكذا فإن الإيرنشهري ثم البيروني، ما وجدا كتباً وأخباراً عنها، ليس بسبب الزرادشتية بل بسبب نجاح الهندوسية في إزاحتها. ثم انها لم تعد في المناطق التي كانت في متناول المسلمين ليعرفوا الكثير عنها. اما عند ظهور الإسلام وفتح ايرانوأفغانستان، فإن الانحسار البوذي كان قد بدأ. لكن يبدو انه كانت هناك ثلاثة مراكز او معابد لا يزال البوذيون الباقون يتحلقون حولها، كما كان حجاج يأتون إليها وهي كما سبق ذكره: "بلخ والباميان وترمذ وكلها اليوم في افغانستان. في بلخ أُعجب المسلمون بضخامة المعبد البوذي القائم هناك باسم النُوبهار المعبد الجديد، فقد كان فيه في ما يقال ألف راهب. وكانت له اوقاف تمتد آلاف الفراسخ. ولوقوعه الى جانب معابد زرادشتية فسرعان ما اعتبروه بيتاً من بيوت النار الزرادشتية. وهذا إذا لم يكن الزرادشتيون قد استولوا عليه فعلاً قبل ذلك، بسبب الانحسار التدريجي للبوذية عن تلك المناطق. ويذهب البلاذُري صاحب "فتوح البلدان" الى ان المسلمين الفاتحين دمّروا النوبهار، او ان الرهبان هجروه تحت وطأة ملاحقة الزرادشتيين والمسلمين على حد سواء. ومن هناك اتى آل برمك الذين عملوا في الإدارة العباسية منذ ايام المنصور، وخرج منهم عدة وزراء ايام الرشيد. ويقال ان جدهم الأعلى برمك كان سادناً للنوبهار، اذ كان بوذياً. والمعروف ان بلخ تراجعت بعد القرن العاشر الميلادي لصالح مزار شريف الحالية. على ان بقاء البوذية في الباميان لمدة اطول، ربما كان سببه ان كان لها كيان سياسي هناك. فقد حكمت هناك اسرة بوذية هي الأسرة الشيرية واللقب يعني الملك او الرئيس، وليس الأسد، كما فسر المسلمون المفرد، وقد اعتنقت الأسرة الإسلام في القرن التاسع الميلادي، وظلت حاكمة لبعض الوقت، الى ان شاعت الاضطرابات تحت وطأة غزوات الصفّاريين والغزنويين. وقد قام يعقوب بن الليث الصفّار بنهب وتدمير المعبد البوذي الكبير هناك، للثروات الهائلة التي كانت فيه. كان المفتاح الأول للتعرف على البوذية اذن من جانب المسلمين مفتاحاً مضللاً، وقد تمثل في تماثيل بوذا المنتشرة في المعابد او المحفورة في الصخور والقائمة في الفلوات. وكان المفتاح الثاني طوائف النسّاك الشامانيين السّمنية، الذين رأوا قلة منهم في القرنين السابع والثامن في أفغانستان. ثم رأوا كثيرين منهم في تركستان، وعلى طول طريق الحرير في القرنين التاسع والعاشر. وقد كان هناك ربط منذ البداية بين السمنية وتماثيل بوذا البد، والبددة. وهذا في ما يبدو معنى اعتبار احمد بن حنبل لهم مشركين، اي انهم يشركون مع الله آلهة اخرى. لكن القصة نفسها - والتي تشير بحسب فان اس الى انتصار المتكلمين واللاهوت العقلي - تفيد ان السمنية لا يقولون بوجود الله. ويرى ريتشارد فرانك، المستشرق الأميركي، ان الآراء والعقائد المنسوبة الى البوذيين في حوار جهم بن صفوان، وفي تقرير الشهرستاني، هي في اكثرها ادنى الى ان تكون من آراء الفلاسفة الطبيعيين اليونان، وتتناقض مع النرفانا البوذية المعروفة. وهكذا فإن تماثيل بوذا الكثيرة، والتي ادرك المسلمون في ما بعد انها لا تُعبد، وأن هناك نزاعاً حولها بين طوائف السمنية، تركت لديهم إحساساً بالحيرة وعدم الارتياح. ولذلك كان هناك من اعتبر السمنية من الزنادقة، الذين كان المانوية ابرز طوائفهم لدى المسلمين. ولأن المانوية لا يشبهون البوذية كثيراً في سلوكهم فإن المسلمين لم يستطيعوا إلحاقهم بهم، على رغم اتفاقهم في الزندقة، بحسب انطباعهم الأول عنهم. والمعروف انه انقضت قرون قبل ان يعتبروهم طائفة مستقلة نهائياً، بعد تكرار اعتبارهم هندوساً او مجوساً او صابئة. ومع ذلك، فقد كان هاك مصدر ثالث مباشر للتعرف على البوذية، لو اراد العلماء والرحالة مثل ابي زيد البلخي والبيروني المتعُّن قليلاً في تلك الأُحجية. والمصدر المباشر تمثّل في نصّين بوذيين جميلين، على قلة المصادر الكتابية لديهم، وهما الفصل الوارد في حكايات "كليلة ودمنة" التي ترجمها ابن المقفع 139ه/ 756 م عن الفهلوية، بعد ان كانت قد تُرجمت في القرن السادس الميلادي عن السنسكريتية. عنوان الفصل السالف الذكر: "ايلاذ وبلاذ وإيراخت"، وهو باب قائم بذاته، يعرض فيه حكيم بوذي ناسك افكار بوذا حول الفضائل والرذائل في صورة حوار مستفيض بين الملك ووزيره البوذي، مفرّقاً بوضوح بين الأفكار الهندوسية والأخرى البوذية. وفي الفترة نفسها، التي تُرجم فيها كتاب "السندهند" في الحساب والفلك عن السنسكريتية، تُرجم النص الثاني المباشر عن الأفكار البوذية، في صورة سيرة لبوذا عنوانها: "بلوهر وبوذاسف": بِكر الخليقة المولود من غير أب حقيقي، والمُعرض عن لذائذ العالم، والواصل الى الحقيقة العليا دونما تدريب كبير غير التريّض الذاتي. وفي الفترة نفسها ظهر المتصوف المعروف ابراهيم بن ادهم 161ه/ 777م الذي تشبه سيرته سيرة بوذا: ابن ملك او امير بلخ، اتاه هاتف داخلي فأعرض عن الإمارة والجاه، وتزهّد وساح رائياً النجاة في الزهد والمعرفة. وإذا كان باب كليلة ودمنة، ذو الصبغة البوذية، مغطى بعض الشيء، ويعكس الصراع الذي دار بين الهندوسية والبوذية، فأفضى الى انحسار البوذية عن الهند، وما كان سهلاً على المسلمين ان يميزوا ذلك، على رغم دقة البيروني، فإن نص سيرة بوذا واضح صريح، والفكرة واضحة فيه. وقد يكون مترجمه بوذياً يتقن تلك العربية العالية. ولذا فقد يكون السبب الرئيس لبقاء الغموض والنفور - والبرودة اكثر من النفور - من جانب المفكرين المسلمين، اختفاء فكرة الألوهية عن سيرة بوذا وآرائه. وقد أدركوا ذلك متأخرين بعض الشيء كما سبق القول، فبدل ان يسموهم مشركين او كفّاراً صاروا يسمونهم زنادقة. وحتى سيرة حياة بوذا تبدو قصة غريبة بالنظر الى القيم السائدة آنذاك في ذالك العالم الامبراطوري الصاعد لدى المسلمين. فقد كانوا في اوج انتصارهم وازدهارهم، وكان البوذيون ينحسرون وجوداً وفلسفة، بحيث تتضاءل مناسبات التلاقي والمواجهة على حد سواء. وقد اعتادوا التعرف على الديانات والمذاهب او التعامل معها من خلال كتاباتها المقدسة ونصوصها السائدة سواء كانت تلك الديانات مما ذكره القرآن مثل الصابئة او لم يذكره الهندوسية والبوذية. وما رأى المسلمون لدى البوذيين كتباً، بل رياضات تأملية وتجوال. وفوق ذلك تلك المعابد الهائلة، والتماثيل العالية، التي اعتُبرت من جانب العامة اوثاناً. في الوقت الذي كان فيه البيروتي محمد طاهر التنير ينشر كتابه عن العقائد الوثنية في الديانات الأخرى 1330ه/1911م، والذي ضمّنه فصلاً عن الوثنيات في البوذية، كانت انطباعات جديدة وإيجابية عن آسيا والديانات الآسيوية، تحلّ محلّ التجاهل والبرودة القديمة. وذكر التنير في بداية كتابه دوافعه لكشف جوامع الوثنيات في الديانات غير الإسلام طبعاً، فأورد اسماء حوالى عشرة كتب ودوريات في الهجوم على الإسلام من وجهة نظره، وكلها من تأليف مبشرين بروتستانت من Pfander الى ميور Muir، وهذا سياق آخر تماماً يتصل بالأجواء الجدالية بين المسيحيين والمسلمين، والتي بدأت في مرحلتها الجديدة اواسط القرن التاسع عشر، ولا تتبين له علاقة بالبوذية او الهندوسية. لكن المؤلف لا يلبث ان يقول ان "السبب الآخر لتأليف الكتاب هو نُصرة الحقيقة والقيام بواجب الأخوة الإنسانية لأنه فرض في ديننا دعاء الناس الى الحق، وواجب علينا ان ندعوهم لمشاركتنا في احسن شيء عندنا وهو ديننا". وكما استُخدم النهوض الثاني والذي تشارك فيه الصين وغيرها من دول شرق آسيا بقوة بأشكال مختلفة تبعاً للفئات الاجتماعية والسياسية التي تعاملت معه لأسباب داخلية تتصل بالصراع على هوية المجتمع والدولة، فإن ردة الفعل العربية والإسلامية على النهوض الأول تميزت بالتنوع، واستخدام الحجج المتضادة. فقد استخدم الوطنيون والقوميون النهوض الأول للتدليل على صحة مقولتهم في إمكان مصارعة الاستعمار، وإحراز التقدم من دونه او في مواجهته. بل ان ذوي الميول الإسلامية روّجوا في الحالتين للتقارب الشديد الممكن بين اليابانيين والإسلام. لكن الأبرز في سرور الإسلاميين من النهوض الياباني والآسيوي في الحالتين، يعود الى ان اليابان انما توصلت لذلك بفضل الحفاظ على تقاليدها الدينية والوطنية. فالتقاليد ليست حائلاً بين الأمم والتقدم، بل الأحرى القول انها من عوامل التقدم ودوافعه. على ان هذا الاهتمام العام حتى من جانب الإسلاميين بالديانات الآسيوية الكبرى، وبخاصة البوذية، يطرأ عليه الخلل والاختلاف مرة اخرى عند التطرق للتفاصيل. فالليبراليون والإصلاحيون يركّزون على الانضباط الأخلاقي لدى البوذيين، ملاحظين ان البوذية ليست ديناً بقدر ما هي مذهب اخلاقي عميق ومنضبط شأنه في ذلك شأن الكونفوشيوسية. ويقول عمر عنايت في الكتيب الصغير عن أديان الشرق الأقصى ان للحقيقة عند بوذا اربعة اركان: "الرغبة غير المستكفية تؤلم، والرغبة اصل الألم، ولاستئصال الألم يجب نبذ الرغبة، ولأجل منع الألم يقتضي اتباع الممر الأوسط". ثم يضيف: "وليس في تعاليمه شيء عن الله او عن تقديم القرابين، فقد اهتم بنشر المحبة، وأشار الى عشرة قيود وخمسة موانع وأربع مغيبات يوجب على أتباعه تركها لأنه اذا غلب الإنسان نفسه وقهرها، وتمكن من قيادتها الى الطريق السوي وصل الى المثل الأعلى". ويستشكل كل من محمد عبدالله دراز ومحمد عبدالمنعم عيش الهوية الملتبسة للبوذية، بين الدين والفلسفة الخلقية. *** في يوليو تموز عام 2001 تحدث الدالاي لاما، زعيم بوذيي التيبت عن الإحياء الديني لدى البوذيين، والفوارق بينه وبين حركات الإحياء لدى الهندوس والمسلمين والمسيحيين. وقال الدالاي لاما: "إن الإحياء البوذي عودة الى الذات. ولا اريد الحديث عن الإحياء الهندي، لأنه ادنى الى ان يكون حركة قومية. إنما المشكلة لدى المسيحية والإسلام. فالإحياء في هذين الدينيين يعتبر الخلاص حقيقة حصرية، كما ان كلاً منهما يميل لإلغاء الآخرين. ولهذا لا بد من اعادة النظر في الأدوار الحقيقية لهذين الدينين في التاريخ والحاضر". كان هذا الحديث قبل احداث 11 ايلول سبتمبر بقليل، لكنه جرى بعد حوالى العام من إقدام حركة طالبان على تدمير التمثالين البوذيين التاريخيين في باميان بأفغانستان. هناك الآن اصولية مستشرية في عدد من الأديان، ومن بينها البروتستانتية والهندوسية والشنتو والبوذية والإسلام. لكن احداً من هذه الديانات ما هاجم الولاياتالمتحدة في عقر دارها باستثناء منظمة القاعدة وباسم الإسلام. وتتزعم الولاياتالمتحدة دول العالم الآن في حرب على الإرهاب الإسلامي، كان من نتائجها احتلال افغانستان والعراق، كما كان من نتائجها التضييق على ملايين المسلمين في اوروبا وأميركا. والعرب والمسلمون يسيطر عليهم وعي قائل انهم ضحايا، في حين يذكر الآخرون انهم ضحايا التعصب الإسلامي: فهل يكون هذا التشدد الذي ينقلب عنفاً جزءاً من طبيعة هذا الدين او الديانات التوحيدية؟ واذا لم يكن كذلك، بدليل وجوده في الهندوسية وهي من طبيعة مختلفة، فكيف يمكن التعامل معه؟ وهل الى خروج من سبيل؟ * كاتب لبناني.