خلال القرن 21 بزغت تكنولوجيا متقدمة ونماذج الأعمال الجديدة، مما تسبب بإحداث تحولات جذرية في سلوك العملاء وأدى إلى إعادة تشكيل قطاع الخدمات اللوجستية. وقد تكون الوتيرة التحويلية التي شهدناها على مدى العقد الماضي، أكثر من آخر 100 عام مجتمعة. وقامت التقنيات المستجدة، كالحوسبة السحابية والروبوتات التعاونية وتحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، بتحدي مرونة سلسلة التوريد وأداء القطاع. وتسببت الجائحة في حدوث تغيير جذري استباقيًا لعدة أعوام قادمة، وهو تسريع نمو التجارة الإلكترونية ورقمنة القطاع، مما فرض ضغطاً هائلاً على اللاعبين اللوجستيين لتغيير القواعد وإعادة الحسابات للتمكن من مواجهة التحديات. وكما يتجلى من التوجهات التجارية والاجتماعية الآتية، قد يتلقى هؤلاء الذين لم يتمكنوا من التأقلم مع الابتكار التكنولوجي الضربة الأقوى، وذلك بسبب خضوع الخدمات اللوجستية لفترة تحولية. بينما ستتمحور التحركات الرئيسية حول توسيع نطاق التكنولوجيا الجديدة والأتمتة والأدوات الرقمية واعتمادها حتى تتصدر الأجندة الإستراتيجية لمنظمات اللوجستيات وسلاسل التوريد، وتحديد المناصب القيادية ضمن القطاع مستقبلاً. ومع نقطة التحول في أزمة كوفيد-19، والتبعات التي انعكست على عمليات العرض والطلب، والارتفاع المفاجئ في التجارة الإلكترونية، أصبحت التقنيات الرئيسية المتطورة في قلب الصدارة، وهي ستمهد الطريق نحو سلاسل توريد مرنة وتقدم القطاع خلال الأعوام المقبلة. كان لإنترنت الأشياء تأثير عميق ليس فقط على الخدمات اللوجستية، بل على العالم بأسره. فبفضل إمكانياته الهائلة المتمثلة في ربط مليارات الأغراض ببعضها البعض واتصال أي شيء تقريبًا بكل شيء افتراضيًا، يعمل إنترنت الأشياء والجيل الجديد من تقنيات الاتصالات المدعومة بسرعات أعلى وقدرات متزايدة ومرونة أكبر لشبكات G5، على تسريع الخدمات اللوجستية القائمة على البيانات لتصبح محركات حيوية تقدم خدمات ذات جودة وكفاءة عالية. وسيحظى مقدمو الخدمات اللوجستية بعوائد مُجزية على المدى البعيد، نظرًا لسهولة دمج إنترنت الأشياء ضمن سلاسل التوريد ولتكلفته المنخفضة، مما يولد رؤى قابلة للتنفيذ تُحفز على التغيير وتأتي بحلول جديدة. وستتمكن أجهزة إنترنت الأشياء والبيانات التي بها من التغلب على تعقيدات الشبكات اللوجستية وإنشاء خدمة توصيل أكثر ديناميكية وتخصيصًا، نتيجة لتعزيز الرؤية والشفافية والموثوقية والأمن وكفاءة سلسلة التوريد. ولطالما دعمت تحليلات البيانات الضخمة أيضًا تطور الذكاء الاصطناعي، والذي يشهد إقبالاً قويًا ضمن قطاع الخدمات اللوجستية، وبرغم من أن ارتفاع التكاليف الرأسمالية والمتطلبات الصعبة تُشكل عائقًا أمام التقدم بسرعة، إلا أن شركة الأبحاث McKinsey تتوقع أن ما يقرب من ثلث القيمة البالغة 4.2 تريليون دولار أمريكي سيأتي من الذكاء الاصطناعي والذي سينجم عن تطبيق التكنولوجيا على سلاسل التوريد فقط خلال 20 عامًا المقبلة. وستكون القدرات التنبؤية للذكاء الاصطناعي ضرورية لحل التحديات التشغيلية المعقدة مثل: التحسين الديناميكي للمسار ودقة السعة وتنبؤات الطلب، والتي ستساهم بتعزيز كفاءة التكلفة والتشغيل في المتغيرات الرئيسية مثل توصيل الميل الأخير، مع خلق تجارب عملاء جديدة. وبفضل تقنيته التنبؤية يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً، مما يُمكن اللاعبين اللوجستيين من الدخول إلى منطقة مُغايرة من نماذج التسليم التوقعي وتزويد العملاء بالبضائع بشكل استباقي. يذكر أن الابتكار في التحسينات الإلكترونية آخذ بالازدياد، وذلك على الرغم من وجود العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها من حيث التكلفة العالية والاستخدام المفرط. والأهم من ذلك، إمكانية تقليل مخاطر الصحة والسلامة في مكان العمل عن طريق ارتداء عصابات الرأس التي تكشف مدى إجهاد السائق، والملابس الواقية التي تراقب كيفية التعامل مع المواد الخطرة، والهياكل الخارجية التي تسهل أداء الأنشطة اليدوية، وسيحظى قطاع الخدمات اللوجستية بالمزيد من التقنيات الجديدة التي من شأنها أن تساعد على تقليل الإصابات وتحسين وضعية الجسد في مكان العمل. وعلى الرغم من أن القيود القانونية والتنظيمية والمتعلقة بالسلامة قد أوقفت تبني الطرق المستقلة والمركبات الجوية على نطاق واسع، إلا أننا شهدنا مفهومًا آخر خلال الأعوام القليلة الماضية وبدأنا بدخول الأماكن العامة والمشتركة. وبدءًا من شاحنات ذاتية القيادة، وحتى العربات الجوالة، ومرورًا بطائرات بدون طيار؛ فإن جميع هذه التقنيات تتمتع بإمكانيات هائلة لتحديث الخدمات اللوجستية عن طريق الكشف عن مستويات جديدة من الأمان والكفاءة والجودة، لا سيما في توصيل الميل الأخير الذي يمثل أكثر من 50% من إجمالي التكلفة التنفيذية. ومازالت وتيرة التكنولوجيا والابتكار مستمرة. وبرغم من ضرورة الاستثمارات التكنولوجية للعمل بنجاح، إلا أن الخدمات اللوجستية هي صناعة مبنية على الثقة والاتصال البشري المدعوم من قبل التكنولوجيا. يجب على قادة القطاع إعطاء الأولوية لإدارة التغيير لتشجيع الموظفين وتحفيزهم من خلال هذا التحول، والقضاء على مخاوف فقدان الوظيفة أو عدم الارتياح في التعامل مع هذه التقنيات، مع الاستثمار في تطوير المهارات للاستفادة بشكل أفضل من البرامج والمعدات المتطورة المتاحة تحت تصرفهم.