انتهى العقد الماضي؛ إحدى أكثر الفترات تعقيدا ودموية وحروبا في المنطقة؛ ورغم نهايته إلا أن آثار ما شهده من أحداث ومشاريع وحروب لا تزال قائمة إلى اليوم. العقد الماضي والعقود السابقة كانت المشاريع التي تستهدف المنطقة تعتمد أساليب وأدوات مثل إذكاء التطرف والطائفية والصراعات الدينية، وبعث ودعم التطرف ليكون نقطة جذب وتجنيد قابلة للتوظيف في تلك المشاريع، إضافة إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، واستغلال طموح بعض الكيانات السياسية التي كانت لديها مشاريع توسعية، وأيضاً استغلال هشاشة بعض الأنظمة في المنطقة التي كان ينخرها الفساد والتسلط والظلم. لكن الواقع اليوم اختلف كثيرا، ثمة تحولات ضخمة في كل شيء، هي التي تؤسس لمستقبل المنطقة في العقد القادم، ومن أبرزها التحولات والتغيرات السياسية التي كانت أساسا جزءا من مواجهة المشروع المدمر في العقد الماضي. شهدت الأعوام الأخيرة في العقد الماضي ظهور قوى وشخصيات سياسية جديدة ونوعية في المنطقة استطاعت أن تساهم في حفظ الأمن الإقليمي ودعم الدولة الوطنية في مواجهة مشاريع الإرهاب والطائفية والتدخلات الخارجية، بل ومثلت مشروعا مناهضا للفوضى والإرهاب والدمار، ومثلت واقعا جديدا في المنطقة استطاع أن يجنب شعوبها ودولها ويلات لا حصر لها. اللحظة الحالية في المنطقة تعتبر لحظة مفصلية كبرى، إنها المرحلة التي يمكن أن تؤسس لمستقبل نوعي ومختلف في المنطقة، تراجعت الأزمات الداخلية في الإقليم، وتراجعت بعض الكيانات السياسية عن مشاريعها التوسعية وحضرت لغة جديدة في الوجدان الشرق الأوسطي تعلي من شأن التنمية والمستقبل والبناء والحريات، وسط تراجع لخطاب الشعارات والأيديولوجيات. هذا أحد أهم المعطيات التي ستؤثر في مستقبل المنطقة، لقد شهد العقد الماضي أسوأ توظيف واستغلال للشارع وتم تحويله إلى قنبلة كبرى، أججت الصراع والفوضى في كثير من عواصم المنطقة. لكن التحولات الكبرى التي شهدها الوعي العام، والسقوط المدوي للشعارات الأيديولوجية وشعارات الثورة والتغيير صنعت جيلا لا يمكن توظيفه في الفوضى والدمار. ممن الممكن القول إن خطابات الإرهاب والتطرف ودعايتها لن تكون مغرية بعد اليوم، وإن الشريحة الشابة التي كان من الممكن استهدافها للتجنيد والالتحاق بالجماعات المسلحة قد تقلصت بشكل كبير جدا، وحتى إغراؤها بمشاريع التغيير والثورات والفوضى أصبح متعذرا بشكل كبير. هذا يعني أن اللاعب المهم في مشروع (الربيع العربي) لم يعد موجودا، أو على الأقل لم يعد بتلك الكثرة والتأثير. التغير الكبير الذي تعيشه البلدان الكبرى في المنطقة والإيقاع السريع واللغة الجديدة نحو التنمية والبناء والمستقبل جعلت من الشارع جزءا منتميا لهذه التوجهات وطامحا لأن يصنع مستقبله وحياته من خلالها، لا من خلال الشعارات والأيديولوجيات التي اتضح له فشلها في كل التجارب السابقة. في المنطقة اليوم مشروعان؛ مشروع المستقبل والتنمية والبناء والحريات والمدنية الذي تقوده السعودية مع محور الاستقرار في المنطقة، مقابل مشروع غيبي عدمي أيديولوجي لا أفق له، وبينما تعيش بلدان المشروع الأول تحولات وإنجازات يومية على مختلف المستويات، تعيش بلدان المشروع الثاني واقعا أليما جعل منها شعوباً بائسة تعيش معركة الحياة اليومية للحصول على الخبز والوقود والكهرباء، وشعوب هذه البلدان هم الأكثر أملا وتطلعا للحاق بمشروع التنمية والمستقبل. في ظل تراجع أدوار القوى العظمى في المنطقة، وبعد أن أثبتت تلك القوى فشل مشاريعها وعلى كل الأصعدة وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، فقد حان الوقت للمشاريع القادمة من المنطقة، التي تبني الدولة الوطنية وتصنع الإنسان وتواجه تحديات الإرهاب والتطرف وتنشد المستقبل والحريات والبناء.