عدم الإدراك والتقدير للاختلافات في الثقافات والأديان فيما بين الأمم، يعتبر السبب الجوهري لنشوب الأزمات والحروب. حيث إنه يدفع البعض للاعتقاد بأنهم الأكثر دراية من غيرهم بمقومات الحياة السليمة، فيسعون إلى فرض آرائهم وقيمهم ومعاييرهم على الآخرين وإلزامهم بتبنيها. وبالتأكيد لا يمكن أن تتحقق مثل هذه الهيمنة بسهولة؛ لأن الآخرين أيضاً لديهم قناعاتهم الراسخة بالقيم والمعايير التي يرونها مناسبة كمنهاج لحياتهم. وهذه الحقيقة، تعد أحد أهم أسباب الهزيمة الأمريكية في أفغانستان. وقد استعرضها مقال روبرت نيكلسون «العالم الإسلامي الذي لا يقهر: أفغانستان أظهرت حماقة الخلط بين المثل المسيحية والعالمية» المنشور بصحيفة «الوال ستريت» في 19 أغسطس 2021. حيث ذكر أن سبب فشل التدخل في أفغانستان مرده أن أمريكا وحلفاءها لم يدركوا أن منبع السياسة هو الثقافة والتي هي بالأساس تنبع من الدين. وبالتالي لم يتمكنوا من دفع العالم الإسلامي، بما يمتلكونه من قوة عسكرية واقتصادية، لتبني نفس المنهج الذي سار عليه الغرب لبناء مجتمعهم السياسي، وتأسيس دولة ديمقراطية متحررة في أفغانستان. كما أنهم غفلوا عن التنبه إلى أن المجتمعات الإسلامية أساسها حضارات متميزة تقاوم فرض القيم الأجنبية بالقوة. واقترح أن تتبنى أمريكا مستقبلاً استراتيجية تكون الأولوية فيها السعي إلى تعزيز مصالحها ومصالح حلفائها، بدلاً من التوجه نحو احتواء العالم الإسلامي وترويج القيم والمؤسسات الغربية. فليت قومك يا سيد نيكلسون يدركون قيمة هذه الإرشادات، التي لو آمن بها ساستكم لتلافى العالم فقدان الكثير من الأرواح والثروات والأموال. ولكن أشك أنهم سوف يتبنون اقتراحك بالكف عن السعي لفرض قيمهم ومعاييرهم. بل إنهم سوف يستمرون في ضلالهم، واستراتيجيتهم القادمة سوف تكون أكثر خطورة على عالمنا الإسلامي، للأسباب التالية: أولاً: إن المحور الأساسي لمقومات السياسة الخارجية الأمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية، ينطلق من قناعتها بأن عليها دور الدفاع عن ونشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كقيم عالمية، ومناهضة ونبذ كافة أشكال الحكم المستبد وغير الحر في أنحاء العالم. وأن استمرارهم في الدفاع عن ونشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يعد أحد أركان القوة الناعمة لديهم. حيث إن ذلك يمكّنهم من استقطاب بعض المنظمات والأفراد الموالين للقيم الأمريكية، في الدول التي ترفض الاستجابة للمصالح الأمريكية، للتعاون معها بإثارة القلاقل في سبيل إجبار حكوماتهم على الرضوخ للتوجهات الأمريكية. وهذا المنظور للسياسة الخارجية الأمريكية، مقتبس حرفياً مما دون بتقرير «دور الولاياتالمتحدة في العالم: خلفية وقضايا للكونغرس» الذي أعده مركز خدمات أبحاث الكونغرس بتاريخ 19 يناير 2021. ثانياً: إن استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية تركز دوماً على تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها وبغض النظر عن التبعات المترتبة على الدول الأخرى في العالم. ومن شواهد ذلك اتفاقيتها التي أبرمتها مع حركة طالبان في 29 فبراير 2020. فالتزامات الحركة وفقاً لما ورد بنص الاتفاقية يتمثل في: عدم السماح لأي من أعضائها أو أفراد مجموعات أخرى بما في ذلك القاعدة باستخدام أراضي أفغانستان، وإرسالها رسالة واضحة مفادها أن مثل هؤلاء ليس لهم مكان في أفغانستان ولن يتم التعاون معهم، ومنعها أي جماعة أو فرد في أفغانستان من التجنيد والتدريب وجمع الأموال، وعدم تقديم تأشيرات أو جوازات سفر أو تصاريح سفر أو غير ذلك من الأمور القانونية لبعض الأفراد والمجموعات للدخول إلى أفغانستان. ولكن الملاحظ أن كافة تلك الالتزامات كانت مقتصرة فقط على ما يشكل تهديداً لأمن الولاياتالمتحدة وحلفائها، وتجاهلت تماماً التهديدات المحتملة لأمن الآخرين كدول العالم الإسلامي (التي ليس منها ما يعد حليفاً رسمياً لأمريكا الا دولتان هما المغرب وتركيا). وهذا التجاهل الأمريكي تم وهم على دراية بتهديدات القاعدة والتنظيمات المتطرفة على العالم الإسلامي. فقد أكد تقرير «تقييم التهديدات السنوي» الصادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في 9 أبريل 2021، خطورة تلك التهديدات ومنبهاً إلى أن الخلايا الكامنة للقاعدة والتنظيمات المتطرفة في دول الشرق الأوسط تتحين انتهاز الفرص للانقضاض على أمن واستقرار دولها، مستغلة تدهور الأوضاع المعيشية جراء الجائحة وتبعاتها. فليت قومي في العالم الإسلامي أيضاً يتنبهون لكافة هذه الأمور وأبعادها الخطرة على أمن وازدهار أمتهم وأوطانهم، ويحرصون على: 1- نبذ الخلافات والعمل على توحيد الصف والتعاون المشترك لبناء كيان قوي للعالم الإسلامي، للتمكن من مواجهة الأعداء المتربصين بالدين والتراث والأوطان. ولا يدعون الحظوظ والمصادفات تتحكم في مسار أمورهم ويتقاذفهم المتربصون حيثما شاءوا. فالحكمة تقول إن القوي يحترم القوي وإن كان عدواً له، ويحتقر الضعيف وحتى إن حاول إرضاءه. 2- الاعتزاز بالدين والهوية الإسلامية السمحاء وعدم التنازل بتاتاً عن مقوماتها ومبادئها، ولا الحياد عن المسلك الوسطي المتوازن لتعاليم الدين الإسلامي. فإن لئام الناس من يحبون أن يكونوا من غيرهم ولا يحب غيرهم أن يكونوا منهم. 3- إعادة الوهج والثقة للدور المحوري لمنظمة التعاون الإسلامي ومنظماتها المتخصصة، وتوفير كافة أوجه الدعم لتمكينهم من ممارسة أدوارهم بالشكل المنشود. 4- الثقة بالذات والاعتماد على قدرات وإمكانات العالم الإسلامي، خصوصاً فيما يتعلق في تنفيذ البرامج المتعلقة بنشر الفكر والهوية الإسلامية والتواصل والحوار مع الأديان والثقافات الأخرى. 5- الاحتراس من الاستعانة بالأفراد والمؤسسات الأجنبية لتنفيذ برامج موجهة للشباب المسلم تستهدف بناء التفاهم المتبادل والتسامح والثقة فيما بينهم وبين مجتمعاتهم وتصحيح المفاهيم حول التنوع الديني والثقافي، لكي لا ينتهي بنا المطاف كحال العنز التي حفرت عن مذبحها. علماً أن لدينا مؤسسات إسلامية متمرسة كمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) لديها القدرة على تنفيذ مثل تلك البرامج. 6- تكثيف التنسيق والتعاون فيما بين الدول الإسلامية خلال المرحلة القادمة فيما يتصل بأنشطة مكافحة الإرهاب، وإدراك أن هذا الموضوع لا يشكل أولوية الآن في السياسة الأمريكية. 7- دعم إحلال السلام في أفغانستان وعدم التدخل في شأنها الداخلي وخيارات شعبها، وعدم الاستجابة للدعوات الخبيثة التي تنادي بإنشاء ملاذات آمنة وحكم ذاتي في شمال وغرب أفغانستان. 8- التنبه جيداً لقضية اللاجئين الأفغان الذين يمكن أن يكون بعضهم قنابل موقوتة بالدول التي تستضيفهم. خاتمة: من أقوال الشاعر عبدالله بن سبيل: الى عزمت فحط للرجل مرقات من قبل يدري بك خطاة ربادي لا تأخذ الدنيا خراص وهقوات يقطعك من نقل الصميل البرادي لك شوفة وحدة وللناس شوفات ولا وادي سيله يفيض بوادي ما ينفع المحرور كثر التنهات ولا يسقي الظامي خضيض الورادي