مع إعلان حركة طالبان سيطرتها على العاصمة كابول اليوم دون إراقة دماء، وورود أنباء عن تخلي الرئيس الأفغاني عن السلطة، وقرب تشكيل حكومة مؤقتة؛ تكون «طالبان» أعادت التاريخ مرة أخرى، ولكن بطريقة تختلف عن عام 1996، وعام 2001، إذ استسلمت معظم الولايات بيد قوات الحركة معلنة دخول «طالبان» لاعبة رئيسية في المشهد الأفغاني الجيو - ستراتيجي. ومن المرجح أن تتمخض المراحل القادمة سواء بتشكيل حكومة مؤقتة أو انتخابات على حصول طالبان على أغلبية الأصوات، وبالتالي قيادة المرحلة والظهور في المسرح السياسي كحركة مشرعنة ستضطر دول الجوار والمجتمع الدولي للاعتراف بها حكومة شرعية بعد الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة انتقالية، خصوصا أن مصادر أفغانية ذكرت ل«عكاظ» أن القوات الخاصة الأمريكية وصلت اليوم إلى كابول وأجلت الرئيس الأفغاني غني من القصر الرئاسي فجر اليوم، مؤكدة ما ذكرته «عكاظ» أمس عن كونه وافق على نقل السلطة طواعية. ودعت «طالبان» قواتها المنتشرة في محيط العاصمة الأفغانية كابول إلى التزام الهدوء وإفساح المجال أمام المفاوضات الجارية للدخول إلى العاصمة دون قتال، مطمئنة جميع سكانها بأن مقاتليها لن ينفذوا عمليات انتقامية بحق العاملين أو المقاتلين مع الحكومة، فيما فر النائب الأول للرئيس الأفغاني أمر الله صالح من كابول إلى جهة غير معروفة بعد أن أمر بإحراق مستندات مكتبه. وكانت حركة طالبان قد سيطرت على آخر المدن الرئيسية وهي جلال آباد، القريبة من معبر حدودي رئيسي مع باكستان المعروف باسم طرخم دون قتال. كما سقطت مزار شريف مساء أمس بأيدي طالبان أيضا دون قتال. ويعني سقوط مزار شريف، عاصمة إقليم بلخ، أن «طالبان» أحكمت سيطرتها على حدودها الشمالية، وبذلك تكون سيطرت على المعابر الحدودية في أفغانستان كافة. وبصفة عامة، تحمل مزار شريف تاريخا صعبا مع حركة طالبان على وجه الخصوص. ففي عامي 1997 و1998 سيطرت «طالبان» وخسرت واستعادت السيطرة على مزار شريف، وكانت السيطرة على هذه المدينة مهمة للغاية في مسار سيطرة الحركة على حكم أفغانستان، لدرجة أنه عندما استولت عليها في 1997 اعترفت دول على الفور بالحركة كحكومة شرعية لأفغانستان، قبل حتى أن تبسط الأخيرة سيطرتها على العاصمة كابول. وبوتيرة متسارعة تسابق حركة طالبان الزمن في التمدد بأفغانستان، فيما تبقى مطار كابول المخرج الوحيد الباقي تحت سيطرة قوات الحكومة والقوات الأمريكية.. ويبدو أن أفغانستان دخلت طوعا «اللعبة الكبرى» في المشهد العالمي. وبعد 20 عاماً من القتال وآلاف القتلى من المدنيين والعسكريين الأفغان والغربيين، وآلاف مليارات الدولارات على شكل نفقات عسكرية ومشاريع تنموية فشل أكثرها، تراجع حضور الدافع الرمزي والنفسي الأمريكي لمصلحة الرؤية التي عبّر بايدن عنها «هذه حرب لا يمكن الفوز بها». بيد أن الحقيقة هذه تعني واشنطن وحدها، ذاك أن الحقائق الجغرافية والسكانية والسياسية في منطقة وسط آسيا وجنوبها ستبقى قائمة وقوية بوجود القوات الأمريكية أو في غيابها. وكان هذا البلد الحبيس على امتداد تاريخه عرضة لانقسامات عرقية بين مكوناته، ومسرحاً لأطماع وصراعات دولية وإقليمية، كما كان مقبرة «للقوى الخارجية». ونفض الرئيس الأمريكي بايدن يده من المسألة الأفغانية برمتها، من دون أن يعني ذلك أن الحرب ستضع أوزارها بعد خروج الجندي الأمريكي الأخير من أراضي أفغانستان. وكشف مقال تحليلي نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية لمراسلها مايكل هيرش، أن بايدن ربما تسرع عندما رفض المقارنة بين الانسحاب من أفغانستان وخروج الولاياتالمتحدة من فيتنام.