وأنت تعبر حي الديرة في محافظة العُلا وبالتحديد حين مرورك في شارع موسى بن نُصير شمال العُلا وبالقرب من المنطقة التاريخية (الديرة)، لابد لعينك أن تصطدم ببناء هرمي يرتفع في شموخ لم يبق منه الزمن إلا القليل. البناء يُطلق عليه (الطنطورة) أو المزولة الشمسية، هذا المعلم يعني عند أهالي العُلا الشيء الكثير خاصةً المزارعين والفلاحين؛ فهو الذي يُستدل به على أول أيام المربعانية (مربعانية الشتاء) أي دخول فصل الشتاء، وللاستدلال على مواقيت خروجها: أي شدة البرد وانتهائه. وتتم معرفة ذلك بواسطة علامات محددة وثابتة على الأرض، وغالباً ما تكون من الأحجار أو قطع الأخشاب، وعندما يصل ظل الطنطورة إلى تلك العلامات فإن ذلك يكون إيذانا بدخول المربعانية لأن هذا هو اليوم الوحيد الذي يصل فيه الظل إلى هذه العلامة، وبهذا يمكننا أن نعتبر الطنطورة ساعة شمسية مبسطة، وإن كان مزارعو المنطقة في الماضي يسمونها (تَملم أو عَلم) لتوزيع المياه. ومن استخدامات الطنطورة توزيع المياه (مياه العيون) التي كانت جارية في العُلا في تلك السنين والبالغ عددها أكثر من (53) عيناً، وفي فصل الشتاء يتم وضع علامات من الأحجار تكون معروفة أبعادها عن طريق شخص معروف يثق فيه جميع المزارعين يسمى (المقومي أو المعلم)، وربما جاء المسمى الأول (من التقويم)، أي تقويم الزمن الذي تُحدد به كميات المياه التي تحتاج لها الأشجار والمزروعات عند ريّها (سقيها). كما يقوم هذا الشخص بحساب حصة كل فرد من ماء العين، ويستخدم في ذلك وحدة للقياس تسمى (الورقة) وتساوي الورقة الواحدة سبع دقائق ويقُوم (المقومي) بوضع العلم المحدد للزمن في مكانه، وعندما يصل إليه الظل يأمر صاحب الدور (الفلاح) بالذهاب إلى العين ليحولها إلى مزرعته. وتختلف (الورقة) في طول النهار و قصره، ومواسمه صيفاً أو شتاءً. (زيادات النسب) ومن المعتاد عليه بين أهالي العُلا أنهم يجتمعون بعد صلاة العصر في حي (الدرب) وهو مكان مخصص لهم يومياً بعد صلاة العصر لكي يناقشوا شؤون حياتهم ومناقشة الزيادات التي يطلبها بعض المزارعين عند حاجتهم لذلك بالاتفاق مع رئيس العين والمقومي، وغالباً ما يكون ذلك عن (العفّرة) أو الزرع الجديد، ويتم ذلك بالشراء أو الاستئجار. أما الأوقات المتعارف عليها عند سقي «ري» المزارعين مزارعهم فهي (الشَّرقة) أي عند شروق الشمس صباحاً، (النصُف) أي عند منتصف الليل، (رُبع الميخَر) أي الربع الأخير من النهار، (الغيبَة) وقت غياب الشمس، (الرُبع) أي الربع الأخير من الليل. وعلى ذلك يُقسم اليوم.. فمثلًا عندما يقولون ينزل ثلاثة من الشرقة أخذ الماء... فإنهم يعنون أن أخذ الماء بعد 21 دقيقة من موعد شروق الشمس. حسب (حسَّاب الماء ليلاً): و لحساب الماء و نسبته ليلاً يتم استخدام إناء يسمى (طاسة المُعلم) تكون بها فتحة صغيرة وتوضع وسط سطل من الماء فإذا امتلأت فإن ذلك يعني وحدة زمنية واحدة. وعندما نعود للحاضر نجد أن كل هذه الأدوات أصبحت جزءاً من تراث الماضي، فأكثر من (53) عين كانت جارية في محافظة العُلا وأشهر تلك العيون (عين تدعل)، واندثرت جميع تلك العيون وحلت محلها الآبار الارتوازية وآلات سحب الماء الحديثة كالغطاسات وغيرها. وأطلقت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا قبل ثلاث سنوات أول مهرجان، وبدأت الفعاليات بمسمى «شتاء طنطورة» ووصل اسم «الطنطورة» إلى العالمية.