لم يحتج سكان مدينة العلا إلى الفلكيين أو الحسابات أو التقاويم لمعرفة دخول «المربعانية» قبل أيام، فبفضل «الطنطورة» التي ابتكروها من أكثر من 80 عاماً، إذ يمكنهم معرفة دخول هذا الموسم، حين يتعامد ظل الشمس مع حجر «الطنطورة»، في ظاهرة تحدث مرة واحدة في العام من خلال هذه الساعة الشمسية، التي اعتمدوا عليها بشكل كبير في الزراعة. وتشتهر العلا منذ القدم بكونها بيئة زراعية لأسباب من أهمها خصوبة أرضها ووفرة مياهها. وكانت تجري في العلا عيون عدة، تفوق ال40. وتبرز «الطنطورة» صامدة بشموخ في البلدة التراثية في محافظة العلا، وهي مزولة شمسية علي شكل مسلة، أو ساعة شمسية تقع في الجزء الجنوب شرقي للقرية. تظهر للزائر بشكل واضح على مدخل القرية الشرقي المسمى «سوق الدرب»، ووظيفتها الرئيسة تحديد دخول فصول السنة، وتوزيع مياه العيون لري وسقاية المزارع نهاراً، وهي عبارة عن بناء حجري هرمي، يتميز بالدقة الهندسية، ولها في الجهة المقابلة حجر يتم القياس من طريقه بحسب ميلان الشمس لمعرفة فصول السنة والأوقات. وتستخدم «الطنطورة» مزولة شمسية لمعرفة الفصول ودخول «مربعانية الشتاء»، وتوزيع مياه العيون على المزارعين، ويستعينون بها في الزراعة لتوزيع الوجبات المائية على المزارعين، وهي توزيع الماء عليهم بقدر معين، وجبة كاملة ونصف وربع، وهكذا بحسب ما يملك المزارع من مساحة زراعية. وكانت «الطنطورة» الوسيلة الوحيدة لسكان أهالي العلا لمعرفة فصول السنة وقت دخولها وخروجها، إضافة إلى وقت دخول «مربعانية الشتاء» وبواسطتها يتم توزيع مياه العيون على المزارعين. وتبعاً لكبار السن، فإنهم ينافسون ب«الطنطورة» علماء الفلك في تحديد موعد دخول المربعانية، وينفون وقوع الخطأ في تحديد موعد دخول «المربعانية»، فظاهرة تعامد ظل الشمس مع حجر «الطنطورة» تحدث مرة واحدة في العام، وهو موعد دخول «المربعانية» بخلاف التقويمات الفلكية، ويرون أنها المرجع الأساس لهم، ويشيدون بصدقيتها منذ مئات السنين، ويحملون الاعتراف به. وغالباً ما يكون يوم 22 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام هو اليوم الذي يتعامد فيه ظل «الطنطورة» مع الحجر المقابل لها، معلناً دخول موسم «المربعانية» الذي يحمل معه البرد الشديد، وهذا موعد فراغ الشمس من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ويتم رصده من طريق «الطنطورة». ويذهب الأهالي إلى أنها كانت تضطلع بدور كبير، وترشدهم إلى المواسم الملائمة لزراعة الأشجار، وجني المحاصيل المختلفة، وتوزيع وجبات المياه بين المزارعين، إذ كانت المياه تتدفق وتنساب في جداول تخترق المزارع وتسقي المزروعات التي من أهمها النخيل والأشجار بمختلف أنواعها.