بعض أنظمتنا المحلية تمت تجربتها وتطبيقها لعدة سنوات، ورغم اتضاح نواقصها ومشاكلها لم يتم تحديثها أو إعادة النظر فيها، حتى الآن. من هذه الأنظمة مثلاً نظام مكافأة نهاية الخدمة للعمالة والموظفين الوافدين. وقد وُضع هذا النظام بعد إلغاء رسوم التأمينات الاجتماعية على الوافدين وإلغاء وضعهم تحت مظلة التأمينات الاجتماعية حتى بعد مغادرتهم أرض الوطن إلى بلادهم. بالطبع كان ذلك نظاماً سيئاً ومجحفاً لخزينة الدولة، وكان لابد من إلغائه أو إيجاد البديل المناسب له. لا جدال في أن المواطن السعودي الذي يعمل في القطاع الخاص (أو العام) يستحق من صاحب العمل كل عناية واهتمام، ويستحق أن يحصل على مكافأة نهاية الخدمة حسب النظام والقانون. فهذه هي بلده التي لا غنى له عنها ولا غنى لها عنه، وهي ملجأه الأول والأخير، وليس له بلد آخر يأوي إليه. بل هو سيبقى كل حياته في بلده يحاول جاهدا توفير سبل العيش الكريم لأهله وعائلته ولنفسه. لذا فمن الطبيعي أن يحصل المواطن السعودي الذي يعمل في القطاع الخاص أو العام على الدعم المناسب في وطنه من كلا القطاعين، وأن يكون مطمئنا في حياته مع عائلته عندما يبلغ سن التقاعد أو يتوقف عن العمل والإنتاج لأي سبب خارج عن إرادته. فهذا المواطن العامل في القطاع الخاص عليه أن يدفع اشتراكا شهريا في التأمينات الاجتماعية، وتأمينا صحيا له ولعائلته، ومصاريف مدارس أو جامعات لأبنائه، وتكاليف حياة خاصة واجتماعية لائقة في بلده وأمام أقاربه ومعارفه، وعليه أن يظهر دائماً باللبس والمظهر اللذين يليقان به هو وأبناؤه وعائلته. لا يوجد مكان آخر يمكن أن يوفر للمواطن السعودي العامل في القطاع الخاص (أو العام) كل هذه الضروريات لحياة كريمة سوى وطنه وبيته الكبير بين أهله وعشيرته. أضف إلى ذلك أنه يصرف كل دخله ومدخراته داخل وطنه وضمن عجلة الاقتصاد الوطني المحلي. لا ننكر بالطبع أن هناك أيضاً متطلبات وضروريات للوافد المقيم العامل في القطاع الخاص لكي يعمل وينتج في بلادنا، ولكي يمارس حياته الطبيعية ويتمتع بالعيش الكريم في البلد المضيف. ولكن أعباء هذه المتطلبات المعيشية للوافد المقيم لا يمكن أن تكون بنفس التكلفة والاعتبارات التي يتحملها المواطن، ولا تتساوى معها بأي شكل من الأشكال. فالوافد المقيم عادة يصرف أقل القليل من دخله داخل البلد المضيف، ويقوم بتحويل الجزء الأكبر من دخله إلى خارج البلاد، ولذلك هو لا يساهم في عجلة الاقتصاد الوطني إلا بأقل القليل، فهو قد جاء إلى بلادنا بهدف الحصول على عمل وتوفير أكبر دخل ممكن لفترة محدودة (طالت أو قصرت) يغادرنا بعدها إلى بلاده معززا مكرما. كل هذا يدعونا للتساؤل، لماذا يُجبر صاحب العمل في القطاع الخاص بتسديد ما يسمى مكافأة نهاية الخدمة لموظفيه وعامليه من الوافدين؟ فقبل كل شيء هذا الوافد يعمل مقابل راتب شهري مجزٍ في العادة لا يمكن أن يحصل عليه في بلاده، ويحصل أيضا على تأمين صحي واجتماعي من صاحب العمل، ويحصل عادة على شهر كامل كعطلة سنوية مدفوعة الأجر (علماً بأن العطلة السنوية في الدول المتقدمة والصناعية لا تزيد عادة على أسبوعين). كما يحصل الوافد مع عطلته السنوية في معظم الحالات على تذكرة سفر ذهابا وعودة لكي يقضي العطلة في بلاده، وأيضاً يحصل على مكافآت مقطوعة في بعض المؤسسات خلال الأعياد والمناسبات، وعلى بدل سكن ومواصلات في كثير من الحالات. بل إن بعض الشركات الكبرى تمنح الموظف الوافد علاوات سنوية وبدل دراسة لأبنائه وبناته، وكثيرا من المميزات التي لا يحصل عليها المواطن العامل في القطاع الخاص أو العام. أصحاب الأعمال في القطاع الخاص يعلمون أيضاً جيداً أن غالبية هؤلاء الموظفين الوافدين تخرجوا من جامعاتهم المحلية بتقديرات علمية متواضعة تراوح بين المقبول والجيد على الأكثر في مختلف تخصصاتهم، وأنهم غالباً ليسوا من النوابغ بين أبناء بلدهم وإلا لبقوا وعملوا بها. في ضوء هذا كله، لا أدري ما هي الحكمة في نظام فرض مكافأة نهاية الخدمة للموظفين والعاملين في القطاع الخاص، خاصة إذا علمنا أن هذه المكافأة قد تصل في كثير من الأحيان إلى مئات الألوف من الريالات يتوجب على صاحب العمل تسديدها للموظف الوافد عند إنهاء خدماته! ويحدث كثيراً أن يقضي بعض العاملين الوافدين في القطاع الخاص عدة سنوات في مؤسسة وطنية صغيرة، التحق بها مقابل راتب صغير لا يتعدى بضعة آلاف من الريالات، ثم ارتفع راتبه بعد عدة سنوات بسبب العلاوات والبدلات إلى قرابة عشرة آلاف ريال أو أكثر. وبعد عدة سنوات، عندما يحاول صاحب العمل أن يتخلص من بعض هؤلاء الوافدين بسبب القصور في العمل أو تقلص أعمال المؤسسة أو المنشأة، تحتسب مكافأة نهاية الخدمة ليس على أساس الراتب الذي بدأ به أو متوسط راتبه على مدى الأعوام، وإنما بحساب آخر راتب تحصل عليه والذي قد يصل إلى عشرة آلاف ريال أو أكثر. (للحديث بقية) كاتب سعودي