بحسابات الخبرة والشهادات العلمية؛ يتقبل الموظف حصول زميله على راتب أكبر، خاصة إذا علم أن اجتهاده سيصل به لنفس المستوى، طالما كانت لوائح العمل تضبط ذلك وتنظمه، لكن أن يجد هذا الموظف غيره ممن يؤدون نفس مهمته، وربما أقل منها وبمستوى إجادة محدود، يحصل على أضعاف راتبه فقط لأنه يحمل جنسية أجنبية، وأنه يجيد فن تقديم نفسه، فلا أقل من الإحباط والتقاعس. هذا بالضبط ما قاله موظفون سعوديون، ذكروا أن مؤسسات مثل “مجموعة بن لادن” وشركة “سعودي أوجيه” تضن عليهم بالرواتب، بينما تمنح أبناء الجنسيات الأجنبية- خاصة اللبنانيين- مبالغ باهظة، نفضلاً عما توفره لهم من بدلات انتقال وسكن، تتجاوز أحياناً إجمالي ما يدخل حساب المواطن في نهاية كل شهر. من ذلك مثلاً، ما حدث في مؤسسة إعلامية أغلقت أبوابها قبل حوالي عامين، فقد كان المشرف على صيانة برامج النشر، وهو لبناني، يحصل شهرياً على قرابة 30 ألف ريال، دون أن تطأ قدمه السعودية إلا مرتين في العام، بينما كان آخر من نفس الجنسية يحصل مقابل إشرافه على قسم التسويق على قرابة 50 ألف ريال شهرياً، فضلاً عن مزايا أخرى من بينها بدل سكن وانتقال. أما السعوديون في المؤسسة ذاتها فكانت رواتب معظمهم لا تتجاوز 10 آلاف ريال، ومنهم من كان يتحصل بالكاد على 5 آلاف ريال. وقال موظف سابق بالمؤسسة، التي لم تستطع في نهاية المطاف تلبية حاجات موظفيها نتيجة فشل مسؤول التسويق اللبناني في توفير مداخيل إعلانية، إنه لم يلاحظ أي ميزة في هذا اللبناني غير قدرته على تقديم نفسه بشكل مبالغ فيه، فضلاً عن مهارته في إرضاء المدير العام. الأمر نفسه تقريباً حدث في مؤسسة إعلامية كبيرة، فقد ظل أحد اللبنانيين يحصل- لمدة عام- على قرابة 50 ألف ريال مقابل إشرافه على القسم التقني بها، قبل أن يقرر بنفسه المغادرة إلي مؤسسة أخرى منحته راتباً أكبر. وعلى الرغم من نجاح الموظفين السعوديين في حمل المسؤولية، لم يلتف كبار مسؤولي المؤسسة لذلك، وبقيت رواتبهم دون ال 5 آلاف ريال. مثل هذا التمييز، هو الذي دفع مواطناً للقول: “نحن نعيش غرباء في أرضنا.. تهضم حقوقنا من الغرباء رغم أن لدينا أعلى الشهادات”. وذكر موظف ب “مجموعة بن لادن السعودية” أن هناك الكثير من اللبنانيين والفلسطينيين الذين يتقاضون رواتب طائلة؛ فهناك مهندس لبناني يتقاضى 97 ألفاً شهرياً، وآخر 150ألفاً.. فهل يعقل ذلك ؟”، فيما نوه آخر بأن ارتفاع أجور العاملين الأجانب ليس مقتصراً فقط في القطاع الخاص بل أيضاً في القطاع الحكومي المتمثل في الهيئات الحكومية مثل هيئة الجبيل وينبع والاتصالات وتقنية المعلومات والسياحة والاستثمار…. إلخ”. وتابع: “على سبيل المثال راتب الأجنبي في هيئة الاتصالات يتجاوز ال 90 ألف ريال بخلاف تذكرة السفر السنوية له ولعائلته على الدرجة الأولى والعلاوة السنوية تتجاوز 18%. أما السعودي فمحروم من نسبة الزيادة العالية ومحروم من تذاكر السفر ومحروم من الترقيات”. ومن المجموعة نفسها، وردت ل”المواطن” قصة مهندس مصري تم إرساله للمغرب في دورة تدريبية، وعندما عاد رفعوا راتبه، رغم أن الموظفين السعوديين كانوا الأحق بهذه الدورة، وكذلك بزيادة الرواتب. وعندما سألت “المواطن” موظفاً بشركة خاصة عن راتبه مقارنة باللبنانيين، رد غاضباً: “توكم تعرفون أن اللبنانيين ماكلين الأخضر واليابس، هل تعلم أني أعمل في شركة منذ 15 سنة لم يزد راتبي ألف ريال طول هذه المدة”، مضيفاً: “السعوديون الذين يعملون في شركات الصف الثاني وما بعدها مضطهدون ولم يلتفت لهم أحد”. وقال آخر: “أعمل بالقطاع الخاص ورواتبنا ومناصبنا في اﻷسفل ولا تؤمن قوت شهرنا بالكامل، بينما اﻷجنبي راتبه يؤمن قوته وعائلته وقبيلته في مصر”، فيما شكا آخر من فوارق الرواتب داخل شركته قائلاً: “أنا شغال في قطاع خاص ومديري أردني يستلم راتب 30 ألف ريال وأنا راتبي 5 آلاف فقط، رغم أني أقدم منه بالعمل وزملائي رواتبهم 3 آلاف”. ومن المعلمين، ذكر أحدهم في تعليق ل”المواطن”: “أن المفروض المواطن هو من يستلم الرواتب العالية وليس الوافد”، مضيفاً: “كنا ندرس في مدارس أهلية ورواتبنا بعد الخصم ما نأخذ غيرها بينما الوافد يحصل، بجانب الراتب، على بدل سكن وبدل علاج وبدل تذاكر، بل إن بعضهم يحصل على بدل مدارس لأولاده”. وذكرت موظفة تحدثت ل”المواطن” أن السعودية هي البلد الوحيد الذي يعطي الأجنبي راتباً أكبر من أبنائه، بينما قال صالح الطايعي أنه “تجب معالجة اللوبي الأجنبي في الشركات”، مشيراً إلى عدة أمثلة تدل على محاباة الأجانب ومن ذلك لبناني أرسلته شركة “سعودي أوجيه” لألمانيا للتدريب على صيانة المطابع الخاصة بطباعة القرآن الكريم، وبعد عودته رفعت راتبه إلى 40 ألفاً في الشهر. وتساءل الطايعي: “لماذا لم ترسل الشركة شباباً سعوديين للتدريب”، منوها بأن بعض ملاك الشركات لا يحسنون إدارتها فيصبحون ألعوبة في يد الأجانب بحجة قدرتهم على الإدارة، ما يمنحهم الهيمنة على الإدارة، وبالتالي يقومون باستقدام أقاربهم ولو بشهادات مزورة”. وضرب الطايعي مثلاً بما حدث في شركة خاصة للصرافات الآلية، عندما أقنع المدير الفلبيني صاحبها بإبعاد سعودي كفء وتعيين آخر ضعيف القدرات، لم يستطع أداء مهامه فصب ذلك لصالح الأجنبي. أما عن أسباب تمييز الأجنبي، فتراوحت أراء المواطنين بين قائل إن الأجنبي يجد قبولاً عند المديرين السعوديين لأنه يلزم طاعتهم ويرضي غرورهم، وآخر يؤكد أن هناك مصالح خاصة تدفع أصحاب الشركات لاسترضاء الأجانب بهذه الرواتب الفلكية، علما بأن “المواطن” ستواصل طرح السؤال على باقي أطراف القضية في تقارير قادمة.