اجتاحت المظاهرات عواصم أوروبا ومدنها الكبيرة، احتجاجاً على العودة إلى سياسة الإغلاق في فرنسا، وألمانيا، وصربيا، وكرواتيا. واحتجاجاً على نية بريطانيا تمديد القيود الصحية ستة أشهر إضافية. ولم يكن المحتجون الأوروبيون هم عشاق «الحرية» وحدهم؛ بل استغل دعاة «نظرية المؤامرة»، والمناهضون للقاحات المظاهرات لبث رسائلهم بالصوت العالي. أما على الصعيد الرسمي؛ فإذا كان السؤال أمس الأول هو: هل وضعت حرب اللقاح الإنجليزي بين أوروبا وبريطانيا أوزارها؛ فإنه اليوم: إلى أين ستمضي هذه الحرب المفعمة بالتناقضات؟ ومن سيكسبها ومن سيخسر؟ تجددت حرب اللقاح الإنجليزي أمس الأول، بعدما هددت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لين، بأنها ستصدر قراراً بمنع تصدير 19 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا من مصانع للقاحات في الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، ما لم توعز لندن لشركة أسترازينيكا بتسليم الاتحاد الأوروبي الكميات التي تعاقد معها على توريدها لبلدانه. وتوعدت فون ديرلين بأن تستميل فرنساوألمانيا لمصلحة ذلك الحظر. وتساءلت صحيفة «ميل أون صانداى» أمس بالخط العريض: لماذا يبدو أنها تكره بريطانيا كراهية شديدة؟ وتأتي تهديدات رئيسة المفوضية الأوروبية في وقت تتعاظم الانتقادات لأداء الاتحاد الأوروبي في شأن توزيع اللقاحات، وتسريع حملات التطعيم في بلدانه ال27. وأدى ذلك التراخي إلى تفاقم الأزمة الوبائية في أوروبا إلى درجة أن فرنسا أعلنت إغلاقاً كاملاً لعاصمتها ومناطق عدة. كما أن ألمانيا قررت تشديد التدابير الوقائية لكبح ما سماه وزير صحتها «موجة ثالثة» من الهجمة الفايروسية. وفي المقابل هللت الصحف البريطانية أمس (الأحد) بنجاح بريطانيا في تطعيم 711.156 شخصاً خلال الساعات ال24 الماضية. وفي الوقت نفسه، بدأت حكومة بوريس جونسون -بحسب صحيفة «صانداى تلغراف»- إجراءات لضمان إنتاج اللقاحات داخل الأراضي البريطانية، للتخلص نهائياً من الاعتماد على استيرادها من الخارج. ويعتقد أن الخطط البريطانية تهدف إلى استكمال إنشاء مصنع عملاق للقاحات قرب مدينة أكسفورد خلال ستة أشهر، بدلاً من السنة القادمة. وتم تصميم المصنع بحيث ينتج 70 مليون جرعة من اللقاحات سنوياً. وفي بروكسل، قالت فون ديرلين إن شركة أسترازينيكا لم تسلم الاتحاد الأوروبي سوى 30 مليوناً من 90 مليون جرعة اتفق الجانبان على تسليمها إلى المفوضية الأوروبية خلال الربع الأول من العام الحالي. وأعلنت رئيسة المفوضية أن تهديدها بحظر الصادرات لبريطانيا سيناقش خلال القمة الأوروبية المقرر عقدها افتراضياً الخميس القادم. وأكدت أن الفكرة تحظى بتأييد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ورد مسؤول بريطاني أمس على تهديدات بروكسل بالقول إن العقد الذي أبرمته لندن مع أسترازينيكا أفضل من عقد بروكسل مع الشركة العملاقة. وزاد: نحن لم نحصل على أكثر مما قمنا بتمويل تطويره وصناعته من اللقاح. وفيما ابتهج البريطانيون أمس بتطعيم نصف عدد البالغين، لم تزد نسبة من تم تلقيحهم في فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا أمس على 12%. ويواجه ثلاثة أرباع عدد بلدان الاتحاد الأوروبي حالياً هجمة وبائية متفاقمة، وأعلنت وزارة الصحة البريطانية أمس أن 2.13 مليون بريطاني حصلوا على الجرعة الثانية من اللقاح. هل عضّت اليد التي امتدت لمساعدتها ؟ لجأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلين إلى بريطانيا خلال سبعينات القرن ال20، بحثاً عن حماية من خطر جماعة بادرمينهوف الإرهابية الألمانية التي هددت عائلتها الثرية هناك. والتحقت أورسولا في عام 1978 بإحدى الجامعات في لندن تحت اسم مستعار، خوفاً من تعريض نفسها لخطر الاختطاف، أو الاغتيال. ومع ذلك فقد استمتعت بإقامتها في لندن، وتبلغ أورسولا من العمر حالياً 62 عاماً. وهي أم لسبعة أطفال. وحملت خلال إقامتها في لندن اسماً مستعاراً هو روز لادسون. وخلال دراستها بمدرسة العلوم الاقتصادية في لندن كانت تزور محلات بيع الأسطوانات الغنائية في حي كامدن. ونقل عنها قولها ذات مرة: لقد عشت في لندن أكثر مما درست فيها. وأضافت أن سني دراستها في بريطانيا فتحت عينيها على مجتمع متعدد الثقافات بوجه لم تعرفه مطلقاً قبل ذلك. وجمعت عائلة فون دير لين ثروتها من الاتجار في القطن. وقد ولدت أورسولا في بروكسل، حيث كان والدها يقيم بغرض العمل. والتحقت بالمدرسة نفسها التي تعلم فيها بوريس جونسون الذي كان والده موظفاً في بروكسل آنذاك. وعندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها عادت العائلة إلى ألمانيا. وانتخب والدها حاكماً لمقاطعة ساكسونيا السفلى، ما جعله هدفاً لإرهاب جماعة الجيش الأحمر (بادرمينهوف) التي نشطت إبان سبعينات القرن الماضي.