ربما لم تكن أزمة فايروس كورونا سوى مصادفة لحظة الصفر للتغير، إلا أن أي متابع لأحداث وشؤون العالم سوف يدرك بما لا يدع مجالاً للشك بأن العالم منذ تلك اللحظة وهو يترتب حياتياً حسب أسلوب جديد كلياً، فمثلاً التجارة العالمية التي هي أساس اقتصاديات الدول والمجتمعات بدأت تنهج بشكل متزايد مفهوم التجارة الإلكترونية، وحسب تقرير نشره موقع «EcommerceGuide»، من المتوقع استمرار هذه الأرقام بالازدياد لتصل إلى 22% في عام 2023. أما «إحصائيات التجارة الإلكترونية العامة بالنسبة ل99 شركة لعام 2020، من المتوقع أن تجرى 95% من عمليات الشراء إلكترونياً بحلول عام 2040، إذ تصدرت منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا الشمالية التجارة الإلكترونية ومبيعاتها، وتليها أوروبا الغربية». حيث يقدر المختصون حجم مبيعات التجارة الإلكترونية لعام 2021 بثلاثة تريليونات دولار، وهذه نسبة تمثل زيادة 20% عن العام الماضي، حيث بلغت عام 2020 حوالى تريليونين و400 مليار. أما بالنسبة للتعليم، فما عدا التخصصات التي لا بد من الجانب التطبيقي لها للطب والتقنية مثلاً، فإن التحول للتعليم عن بعد صار مظهراً معولماً في جميع مستويات التعليم، حيث أغلقت آلاف الكليات والجامعات، بالإضافة إلى مئات الآلاف من مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي، في جميع أنحاء العالم. وبدأت مراكز الأبحاث فعلياً في بناء منصات دائمة للتعليم، لتبقى حتى بعد انتهاء أزمة كورونا، للاستفادة من هذه الخدمة التي ستوفر الكثير من التكاليف، وستنهي تماماً مشكلة البعد الجغرافي في تلقي المعرفة. وكان لهذا التغيير في نمط حياة الناس تأثيرات كبيرة، فإذا منيت بعض القطاعات بخسائر فادحة، فإنّ قطاع الإلكترونيات حقق ازدهاراً كبيراً، فمثلاً شركة مايكروسوفت حققت خلال الربع الرابع من عام 2020 إيرادات بلغت 38 مليار دولار. ولم يقتصر التغيير فقط على قطاعي التجارة الإلكترونية والتعليم فقط، بل تعدى ذلك إلى كثير من الأعمال وحتى المؤتمرات واللقاءات، وأكبر دليل قمة مجموعة العشرين التي احتضنتها المملكة وافتتحها الملك سلمان بن عبدالعزيز بمشاركة زعماء أكبر الاقتصادات في العالم. كما أن الكثير من اللقاءات والمؤتمرات العلمية والثقافية بدأت فعلياً في التحول إلى التطبيقات الافتراضية كتطبيق «زووم» مثلاً. وهذا التغيير سوف يغير شيئاً فشيئاً من رؤية بعض المستثمرين في بناء منشآت ضخمة لشركاتهم ومؤسساتهم. بل إنّ التغيير وصل إلى الشروع فعلياً في تطبيق إجراء العمليات عن بعد التي بدأت التجارب عليها، وتعزيز ثقافة السياحة الافتراضية، فصار بإمكان الجميع أن يقوم بجولات على المتاحف وحتى شوارع بعض المدن وهو جالس في بيته. وفي غمرة هذه التحولات التي ما زالت في بدء حراكها بدأت تظهر ظواهر اجتماعية تواكب هذه المرحلة التي سوف يبقى الإنسان فيها فترة طويلة في بيته، وآخرها تطبيق «كلوب هاوس» الذي يفتح المجال واسعاً أمام خيارات النقاش الجاد أو الثرثرة، حيث صار العالم بأجمعه بإمكانه أن يتكلم مع بعض، بمناسبة وبدون مناسبة، وتحديداً في الغرف المفتوحة للجميع. في الأخير نحن أمام تحول مهم ومؤثر جداً، وعلينا أن نهيئ كافة السبل التي تجعلنا نستطيع مواكبة هذا التحول من خلال تعزيز المنصات التعليمية والتدريبية والتواصلية بشكل مثر وبنّاء. كاتب سعودي S_Althunayan_@