مع اقتراب عرض أي فيلم سعودي في صالات السينما أو في منصات البث أو حتى في المهرجانات السينمائية، تقفز إلى واجهة عناوين الأخبار وألسنة القائمين على العمل عبارة تتكرر باستمرار لا مرجع لها ولا توثيق أصيل يكشف مدى صحتها، ألا وهي «أول فيلم سعودي (...)». السباق المستمر نحو الأولوية دون اهتمام بما دونها يخلق حالة من الحكم السلبي المسبق على العمل، إذ يرسم اهتمام المنتج أو المخرج أو الممثل الذي اعتاد على التشدق بأولوية عمله إطاراً يحصر منتجه الفني في هذه الدائرة، ما يخلق شكوكاً حول نجاعة جودة المنتج الفني ككل بعيداً عن كونه الأول أو الأخير. واللافت أن أغلب صناع الأفلام السعوديين الذين يتجنبون التطرق إلى كون عملهم «ذا أولوية» في أي سياق كان يلحظ المتابعون والنقاد مدى الاهتمام بمكونات المنتج الفني وأصالته بعيداً عن الانتصارات المزيفة. بدايات «السهرات التلفزيونية»ويكشف تقرير الحالة الثقافية الصادر عن وزارة الثقافة أنه مع انطلاقة بث التلفزيون السعودي الحكومي في 1965 بدأت حقبة التلفاز كمنصة عرض، وعرضت الأفلام على نطاق واسع عبر ما كان يعرف ب«السهرات التلفزيونية». وتم عرض ما عده نقاد الفيلم السعودي الأول «تأنيب الضمير» للمخرج سعد الفريح عام 1966. وبدأت في تلك الفترة تتكون حركة إنتاج درامية بافتتاح محطات للتلفزيون في كل من الرياضوجدة والدمام. وتوالى بعد ذلك إنتاج المسلسلات الدرامية التي أسهم فيها مجموعة من رواد التمثيل في المملكة مثل سعد خضر، محمد حمزة ولطفي زيني وغيرهم الكثير. وفي الفترة التي سبقت انطلاقة التلفزيون الحكومي كانت حركة الإنتاج السينمائي داخل المملكة محدودة، إذ بدأتها شركة أرامكو بإنتاج فيلم توعوي صحي بعنوان «الذباب» في 1950، ويعده نقاد الفيلم السعودي الأول باعتبار أن دور البطولة في الفيلم لعبه الفنان السعودي الدكتور حسن الغانم، بالتعاون مع فريق إخراج من هوليوود، علاوة على تصويره في مدينة القطيف. وبحسب نقاد عدة، فإن أول فيلم سعودي يتم إنتاجه بشكل رسمي في المملكة، ويشارك خارجياً في مهرجان دولي كان فيلم «اغتيال مدينة» في 1976، من إخراج وإنتاج رائد السينما السعودية عبدالله المحيسن. وأنتج أول فيلم هوليوودي في المملكة عام 1956 بعنوان «جزيرة الرب» من إخراج وإنتاج ريتشارد لويفورد وبمشاركة عدد من الممثلين المحليين. واستمر غالبية الإنتاج المحلي للأفلام من خلال شركة المحيسن الإنتاجية الخاصة «كمخرج وحيد» من المملكة حتى بداية التسعينات، ثم توقف إنتاج الأفلام الروائية السعودية حتى بداية الألفية الثالثة. وتجدر الإشارة إلى جهود بعض الرواد في الإنتاج والإخراج السينمائي في دول عربية مثل الفنان فؤاد بخش الذي أنتج الفيلم المصري «ويبقى الحب» عام 1987 من بطولة كل من فريد شوقي وسهير رمزي، إضافة إلى محمد فوزي قزاز الذي أنتج ما يقارب 14 فيلماً طويلاً.موجة الأفلام القصيرةوعاد الإنتاج السعودي مع بداية الألفية الجديدة وإن ظل بطيئاً ومقتصراً على الأفلام القصيرة، إلا أنه خلق حراكا نوعياً بين مجتمع صناع الأفلام، وكانت تحظى تلك المرحلة بتغطية سطحية من وسائل الإعلام لاعتبارات عرض غالبية تلك الأعمال في مهرجانات سينمائية مقامة في دول مجاورة، إلا أن التغطية لم تكن عميقة ولم يصحبها نقد موضوعي للأعمال، إذ لم تخلُ طبيعة تلك الأعمال من قصور في أساسيات التنفيذ والقدرات الأدائية. وفيما كان ينمو إنتاج الأفلام القصيرة منذ 2003 بشكل متصاعد، ظل إنتاج الأفلام الطويلة محدوداً، وظهر في 2006 عملان شكلا فارقة في الأفلام السعودية الطويلة، الأول كان بعودة إنتاج المخضرم عبدالله المحيسن بفيلم «ظلال الصمت»، الذي شارك في مهرجانات عدة وعرض في مركز الملك فهد الثقافي في 2011، وفيلم «كيف الحال»، الذي كان فارقة على مستوى الإنتاج، إذ عرض بشكل تجاري وكان من إنتاج شركة روتانا وتم تصويره في الإمارات. وتبع ذلك إنتاج فيلم طويل آخر من روتانا وهو «مناحي» في 2007، ويعد أول فيلم سعودي يعرض بشكل رسمي داخل المملكة في 3 مدن في 2008. الانفتاح الدوليوبالتوازي مع صعود موجة شبابية حديثة مطلع 2009 عبر الإنتاج الإلكتروني في منصات البث مثل اليوتيوب، ازداد إنتاج الأفلام السعودية حتى شكل 2012 تحولاً مهماً في تاريخ الفيلم السعودي بحيازة الاعتراف الدولي، بعد أن أخرجت هيفاء المنصور فيلم «وجدة»، الذي تم تصويره داخل المملكة بهوية وممثلين سعوديين، وتوج بثلاث جوائز تقديرية في مهرجان فينيسيا العالي، وبذلك يعد أول فيلم سعودي طويل يحظى بجائزة في هذا المهرجان ويعرض بشكل تجاري دولياً، كما ترشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي من أكاديمية الفيلم البريطاني «بافتا»، واختير ضمن الترشيحات الأولية لجائزة الأوسكار عام 2013، ليكون أول فيلم سعودي يصل إلى هذا الاعتراف الدولي المتقدم. وحظي الفيلم الروائي القصير «حرمة» للمخرجة عهد کامل بالمشاركة في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة في مهرجان برلين العريق في دورته لعام 2013 كأول فيلم سعودي يشارك في المهرجان.