ألفان وخمسمائة وثيقة فقط تم الإفراج عنها تمثل جزءاً يسيراً مما يقارب المليون وثيقة تعكس كلها حجم ومستوى العلاقة الوثيقة والكبرى بين إيران وبين تنظيم القاعدة، وتعكس أيضاً كيف مثل الإرهاب أبرز وأهم أدوات وأسلحة إيران في المنطقة وفي العالم والسلاح المزدوج والنوعي الذي تسعى من خلاله لتحقيق مشروعها التوسعي الأيديولوجي. تلك الوثائق تكشف أيضاً كيف تواطأت بعض الإدارات الأمريكية وقدمت أداء غير مسؤول في التعامل مع الرعاية الإيرانية للإرهاب. طوال العقود الماضية، مثّل الإرهاب أبرز مشاريع إيران في المنطقة، ومثل بالنسبة لها الاستثمار الأكبر لتحقق أهدافها وبسط مشروعها التوسعي الطائفي وإحدى أدواتها التفاوضية مع العالم. يمثل نموذج الدولة الوطنية الحديثة خصماً حقيقياً للنظام الإيراني الذي تقوم تركيبته على العقائد والأيديولوجيات، لذا انطلق النظام الإيراني مسخراً كل إمكاناته لمواجهة تلك الكيانات والنماذج الوطنية القائمة في المنطقة، ولمحاولة بسط نفوذه وتحقيق مشروعه التوسعي، وقد كان الإرهاب أبرز وأخطر الأدوات التي استثمر فيها النظام وفق مستويين؛ المستوى الأول وهو المستوى المباشر القائم على تأسيس ودعم جماعات وميليشيات وأحزاب دينية مسلحة ذات عقائد طائفية عدائية، ومن خلال تلك الجماعات تتم السيطرة بالسلاح والإرهاب على الدول ومقدراتها السياسية والاقتصادية، كما هو الحال في لبنان وفي العراق. هذا المستوى واضح للغاية. إذ تعمل تلك الجماعات في العلن، وترفع شعاراتها وانتماءاتها الطائفية وتعلن باستمرار مرجعيتها الدينية والسياسية للنظام الإيراني. لكن الجانب الأخطر من التوظيف والاستثمار الإيراني للإرهاب يتمثل في وقوفها دعماً وتأسيساً لجماعات الإرهاب (السنية). وظف النظام هذا المسار لتحقيق أهداف عدة لم تقتصر على القيام بعمليات إرهابية وإنما كانت أبعد من ذلك. تمثل الهدف الأبرز في السعي لبناء ربط واقعي بين الإرهاب وبين الإسلام السني، من خلال توظيف أسماء وشخصيات تنتمي لجنسيات سعودية بالدرجة الأولى، وإضافة بعض الجنسيات الأخرى لتعزيز ذلك، لقد تم توجيه الهدف الإيراني الأكبر في دعم الإرهاب السني لإيصال رسالة للعالم مفادها بأن السعودية وإن كانت لاعباً مهماً في الاقتصاد والطاقة إلا أنها ليست الحليف الأنسب، إنها الدولة التي يقف مواطنوها خلف أخطر الجماعات الإرهابية قيادة وتخطيطاً وتنفيذاً. كان التجسيد الأكبر لتلك الخطة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول، لقد كان المشروع الأكبر لضرب التحالف السعودي الأمريكي وتدمير تلك العلاقة التاريخية وتأطير السعودية أمام العالم من خلال ربطها بالإرهاب. وفي ذات الوقت اتجه النظام إلى مسار آخر يتمثل في توجيه تلك الجماعات للعمل وتنفيذ مختلف العمليات الإرهابية في الداخل السعودي، أيضاً لإشعال الفتنة الداخلية ولتقديم السعودية للعالم على أنها بلد مضطرب وغير آمن. كل الوثائق والأدلة تثبت حجم الارتباط الوثيق بين إيران والقاعدة، على مستوى القيادات والتخطيط والشراكة والتمويل، ويمكن اعتبار عملية تفجير الخبر عام 1996م أول مخرجات ذلك التحالف الوثيق الذي هيمن فيه طهران على القاعدة وجعلتها أحد أخطر أدواتها لتهديد دول المنطقة ووجهته بشكل مباشر لاستهداف السعودية ومكانتها في الإقليم وفي العالم. أكبر قيادات القاعدة كانت في إيران أو تلقت تدريبات هناك في معسكرات الحرس الثوري أو من خلال أذرعه في المنطقة، وكل التمويل والدعم الذي وجده التنظيم كان مصدره النظام الإيراني، بل إن كل العمليات والأحداث التي نفذتها القاعدة كلها كانت تصب بشكل مباشر في مصلحة النظام الإيراني. ورغم أن أدبيات القاعدة وخطابها الجهادي كان خطاباً راديكالياً طائفياً متطرفاً، إلا أن إيران لم تشهد على الإطلاق أية عملية للقاعدة، بل تكشف الوثائق أن قيادات القاعدة كانت ترفض ذلك دائماً. غالباً ستتواصل الانكشافات الكبرى لارتباط النظام الإيراني بالإرهاب بمختلف جماعاته وأحزابه، وبكل الأحداث الإرهابية الكبرى التي عرفها العالم، لكن الأسئلة الكبرى ستظل تكبر وتدور حول صمت وتواطؤ إدارات أمريكية سابقة تجاه ذلك الانكشاف، بل والتورط في عقد اتفاقيات سلام مع ذلك النظام، والتغاضي عما تسببت طهران من دمار في المنطقة وفي العالم. أتصور أن العالم سيكون في حالة ترقب لخطوات ومواقف الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه هذا الانكشاف الكبير، إذ لا يمكن لإدارة الرئيس الجديد إنكاره، ولا يمكن أيضاً الاستمرار في التورط به. إنها أحد أكبر التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية القادمة. وإحدى أكبر المعارك التي ستظل دول الاستقرار والاعتدال والمدنية في المنطقة في مواجهة مستمرة معها ضد قوى التخلف والإرهاب والرجعية. كاتب سعودي yahyaalameer@