لم يكن مستغربا تجاهل وزير الخارجية الأمريكي لقاء رئيس النظام التركي أردوغان، خلال زيارته تركيا، كون النظام الإخواني التركي لم يعد مرغوبا فيه. ولم يكن مستغربا أن يعلن البرلمان الأوروبي في تقريره الرسمي النأي بنفسه عن السياسات التركية التي عكست انزعاجه لابتعاد تركيا المستمر والمتزايد عن القيم والمعايير الأوروبية إلى دفع علاقة أنقرة مع الاتحاد الأوروبي إلى نقطة تاريخية متدنية، حيث تدهورت إلى حد يتطلب من الطرفين إعادة تقييم عميق للإطار الحالي للعلاقات، خصوصا أن الاتحاد الأوروبي اعتبر تصريحات أردوغان بعد الأحداث التي شهدها عدد من المدن الأوروبية مؤخرا بمثابة صب الزيت باستمرار على النار، بما يسهم في العنف والإرهاب كونه يروج للإرهاب في أوروبا أكثر من أنه يضع حلولا للإشكاليات التي تحدث. وسط السجال التركي الأوروبي وانتظار قمة الاتحاد، تخرج أصوات أوروبية تحذر من أن تركيا تشكل أكبر خطر على أوروبا حاليا، مع تصاعد وتيرة التحركات التركية في شرق المتوسط. ونصت مسودة تقارير المفوضية الأوروبية عن تركيا لعامي 2019، 2020، أن «تركيا لا تتقدم نحو نموذج أكثر ديمقراطية»، وأن البرلمان الأوروبي يشعر بقلق عميق إزاء «تجاهل القضاء التركي أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وزيادة عدم امتثال المحاكم الأدنى لأحكام المحكمة الدستورية»، إلى جانب عدم التزام تركيا بتنفيذ إصلاحات الاتحاد الأوروبي، والقلق العميق إزاء التراجع عن سيادة القانون والحقوق الأساسية، والتراجع في إصلاح المؤسسات، والسياسة الخارجية العدائية للدولة، فضلاً عن السرد المتزايد المناهض للاتحاد الأوروبي، مضيفا أن الوضع في تركيا «أبعد ما يكون عن التحسن، بل تدهور أكثر». ولا يزال تأثير حالة الطوارئ التي أعقبت الانقلاب بين عامي 2016 و2018 محسوسًا على الحقوق الأساسية والديمقراطية وفقًا للتقرير، ويأسف البرلمان الأوروبي بشدة لأن هذا الشكل القمعي من الحكم أصبح هو السائد. وندد البرلمان الأوروبي بالضغوط التي مورست على القضاة والمدعين العامين والمحامين ونقابات المحامين، وأعرب في الوقت نفسه عن قلقه الشديد إزاء التقييد التعسفي لحرية التعبير وحرية الصحافة والوصول إلى المعلومات. من جانب آخر، يواصل أردوغان سياسة التدخلات والمؤامرات حيث توجه أمس لجمهورية شمال قبرص للقاء رئيسها المنتخب حديثا بدعم من تركيا، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من توتر العلاقات مع حكومة قبرص المعترف بها دوليا. وتركيا هي الوحيدة التي تعترف بشمال قبرص دولة مستقلة، وجرى تقسيم قبرص بعد غزو تركي للجزيرة عام 1974 بسبب انقلاب عسكري استمر فترة قصيرة بإيعاز من اليونان. وتستمر تركيا في ترتيب المؤامرات في منطقة شرق البحر المتوسط، وتخوض تركيا نزاعا هذا العام مع قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي على السيادة في مناطق مياه. وضم الاتحاد الأوروبي قبرص إليه عام 2004، وهدد بفرض عقوبات على تركيا الشهر المقبل بسبب عمليات تنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، يصفها بأنها غير قانونية. وصعّد أردوغان من لهجته ضد نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، محذرا من «العبث» مع أنقرة، بعد أن انتقد الأخير أنقرة بشدة في ما يخص مواجهتها مع اليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط، على خلفية التنقيب عن موارد الطاقة. أوروبا لفظت أردوغان ونظامه أصبح خارج السياق الأوروبي كون تركيا دولة اللا قانون.. ودولة الطاغوت الواحد.