الجميع متأكدّ أن التعليم قائم في الأصل على التفاعل الحضوري الحي والنشط، ولكن ماذا لو أصبح «التعلم عن بُعد» خيارنا الوحيد إذا كانت «الصحة قبل كُل شيء». لذلك علينا أن نحول الأزمة إلى فرصة للتمكين ونتحدث عن فضائل التعلم عن بُعد من بعد شهرين لبداية فصل دراسي لعام 1442، ولعل أهم هذه الفضائل هي تدريب الأسرة والمعلمين والأبناء على التفاعل المرن مع التقنية، خطوة ساعدتنا لنتوقف عن كمية الهدر الورقي، ولو بقيت الوزارة تناشد الأسرة والمعلمين والطلاب بضرورة التكيف مع التكنولوجيا وتدريبهم على ذلك لكان عليها أن تقضي أعواما ممتدة لتحقيق هذا الهدف، ولكن ما فعلته الجائحة جعل التعلم عن بُعد ممكنا واختصر كثيرا من الخطوات. ومن أهم فضائل التعلم عن بُعد «الطلاقة التكنولوجية»، وهي تحول التقنية من مواد إلهاء إلى مواد تلقي المعلومة، عزز بالتالي من مهارات استعمال التقنية من أصغر فرد في العائلة إلى أكبر فرد فيها دون أي دورات تدريبية، وآمنا بشكل كامل بأن عملية التعليم لا تقتصر داخل أسوار المدرسة، بل تلاشت الحواجز الجغرافية في توفير المادة العلمية مع قدرة الطلاب على ضبط أنفسهم بقيادة ذاتية تلقائية بعد اختفاء ضوضاء أجراس الحصص والإنذارات. كما أن بعض الطلاب وجدوا أن «الجلوس الناعم والمريح» أثناء تلقي المعلومة جذاب وفعال وهذا ما أكدت عليه بعض الأبحاث حول التصميم البيئي للراحة والعمل وانعكاسه لعمل أكثر جودة وإبداعا، مع تشارك الوالدين في العملية التعليمية وإنجاز بعض المهام ساعد في تنمية جانب اجتماعي ترابطي مهم قدّ غفل عنه الكثير. ولا ننسى الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين وفر لهم التعليم عن بُعد فرصة للمساواة وبيئة خاصة بهم أكثر أمنا واستقرارا ووقتا لمراجعة المواد التي يحتاجونها وفقاً لإمكانياتهم الخاصة، كما ساعد الطلاب الأكثر خجلاً على المشاركة وإبداء الرأي بحرية أكثر وقلل أيضاً من حالات التنمر بين الطلاب، إذا ما اختفى، مما ساعد في التقليل من تشتت المعلم والإدارة في صرف انتباههم لمعالجة بعض المشاكل السلوكية. كُل هذا التحليل وذكر محاسن الأزمة هو الإيمان بأن كل أزمة لها دور في إثارة المشاعر وإدارة الموقف بشكل مختلف، وسنعود لحياة مكتملة بإذن الله بكل تفاصيلها، ولكن لن تترُكنَّا أزمة كوفيد 19 إلا بعد أن تترك جانبا مضيئا، ولربما كانت الابتلاء الذي يسبق التمكين. وأخيراً «نسأل الله أن يحفظ الجميع». [email protected]