هكذا سيمثل العام 2020م مرحلة محورية في المنطقة ولحظة تحول كبرى في المستقبل السياسي في الشرق الأوسط وفي العالم. العام الذي شهد صعودا فعليا للواقعية السياسية في المنطقة وتراجعا للأداء السياسي التقليدي الذي عرفته كثير من بلدان المنطقة والقائمة على المزايدات والدسائس والمناهض للدولة الوطنية. بعد الخطوات الشجاعة التي خطتها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، التحقت جمهورية السودان بالمسيرة الجديدة والنوعية. إنها لحظات تعيد توجيه القاطرة السياسية في المنطقة وتفسد إحدى أكبر دوائر المناورات والارتزاق واتخاذ الشعارات وبناء المصالح ونشوء واستمرار الجماعات الإرهابية والميليشيات المتطرفة. لقد ظلت قضية السلام مع إسرائيل ملفا شائكا وقضية طالما اقتاتت عليها الجماعات والكيانات المارقة وطالما رفعتها شعارا لكل ما تقوم به من أعمال وسياسات عدائية، وغطاء لكل مشاريعها وخططها التوسعية. ولقد ظل الشارع العربي والإسلامي يتغذى طيلة العقود الماضية على أن السلام مع إسرائيل يمثل خيانة وأن تحرير فلسطين هو الهدف الذي يجب أن يسخر كل شيء لأجله. تعطلت التنمية في تلك البلدان وأصبح بعضها نهبا للميلشيات العميلة للخارج وتراجع الاقتصاد وهيمنت مشاريع المقاومة الوهمية على كل شيء. وانتهت لمجرد دول فاشلة موشكة على الانهيار وتحولت شعوبها إلى مهاجرين ومرتزقة وهيمن الخراب على كل شيء. التحول الأضخم يتمثل في الشارع العربي الشرق أوسطي الذي يشهد اليوم أجيالا رأت أن ما حدث طيلة العقود الماضية من تلك الكيانات وتلك الخطابات لم يحصد شيئا ولم يحقق شيئا، انهارت بلدانهم وانهار اقتصادهم وبقيت القضية الفلسطينية على حالها. الفلسطينيون أنفسهم رأوا كيف أن كل الساسة لديهم لم يستطيعوا تحقيق أي تقدم يذكر وأن القضية أصبحت بالنسبة لهم مادة للارتزاق والانقسام وعملاء الكيانات التي تبيع القضية شعاراتيا على شعوبها. في إيران وتركيا ولبنان وما تحت أيديهما من أنظمة وميليشيات تعيش الشعوب واقعا مترديا على مختلف الأصعدة وتتغنى تلك الأنظمة بالقضية الفلسطينية وتجعل منها ستارا ومبررا لمغامراتها ومشاريعها التوسعية. تلك الكيانات لم ولن تقدم شيئا للقضية الفلسطينية التي ستظل مصدرا لكثير من الأزمات والتحديات في المنطقة وعاملا تعتاش عليه الكيانات والجماعات المارقة. أحداث العقد الماضي والفوضى التي شهدتها كثير من العواصم العربية وما حمله مشروع الربيع العربي سيئ الصيت من دمار وتفكك لكثيرمن البلدان، كلها أثبتت أن الرهان في المنطقة لا يمكن أن يكون إلا على الدولة الوطنية الواقعية، فهي التي واجهت ذلك المشروع المدمر ودعمت الدولة الوطنية العربية وواجهت التدخلات الإيرانية والتركية في المنطقة وواجهت الأدوار الإجرامية التي ظل يمارسها النظام القطري العميل، لقد حافظ محور الدولة الوطنية العربية على الاستقرار في المنطقة، وحان الوقت ليصنع السلام أيضا ويواصل مواجهة محور الشر والتوسع والعمالة في المنطقة. تمثل اتفاقيات السلام التي تشهدها المنطقة اليوم أحداثا كارثية بالنسبة للبلدان والكيانات المارقة، والأنظمة التي جاءت ردود فعلها غاضبة ومنددة بتلك الاتفاقيات هي الكيانات التي تدرك أنها ستخسر كثيرا وستنكشف أمام الداخل أولا وهي ترى فساد وانكشاف تلك البضاعة التي ظلت تتاجر بها لسنوات. السودان العريق، البلد الذي شهد ما يمكن وصفه بالثورة المستحقة الحقيقية التي تخلص عبرها من النظام السابق واتجه من خلالها لبناء مستقبل جديد يتخلص فيه من كل تبعات النظام السابق. يحشد اليوم كل قواه ليكون دولة وطنية مدنية ضمن محور الاستقرار في المنطقة وضمن محور السلام. إنها لحظة محورية في مستقبل المنطقة، وسيكون لها تاثيرها الواضح في مستقبل المنطقة وفي تعزيز الاستقرار والواقعية السياسية. كاتب سعودي yahyaalameer@