(الحلقة الأولى) جماعة «التكفير» حاولوا قتلي أثناء الصلاة وقطعوا أذني لأنني رددت على فكرهم خلال مناظرة عندما تم استفتاء عمر عبدالرحمن عن احتمالية مقتل الحاضرين بجانب السادات.. قال: «والصف الأول لا حرج» الظواهري أرشد لمكان اختبائي من «قرارات التحفظ» كنا فقراء ومصادر تمويل جماعات «السلفية الجهادية» اعتمدت السطو والسرقات محمد فرج هو المؤسس الحقيقي لفكرة قتل السادات كنا نخطط للانقلاب على السادات لإقامة دولة «سلفية» على غرار ثورة الخميني تبعات فتنة أحداث «الزاوية الحمراء» الطائفية هي السبب الحقيقي وراء اغتيال السادات الظواهري عالجني في عيادته وعرفني على ضابط في تنظيم الجهاد للانقلاب على السادات سافرت مع الظواهري إلى أفغانستان عام 1980 للتدرب على دبابة روسية يمتلكها حكمتيار للقيام بانقلاب اعتنق نبيل نعيم، القيادي السابق في «جماعة الجهاد الإسلامي» المصرية وأحد مؤسسيها وزعيمها من عام 1988 حتى عام 1992، أفكار «السلفية الجهادية» في وقت مبكر من حياته الحافلة بالأحداث الصاخبة والمدوية، إذ عززت أحداث احتلال فلسطين ونكسة 67 والغزو السوفيتي لأفغانستان وأحداث ثورة الخميني في 79، نزعته الجهادية كحال الكثير من الشباب المصري في حقبة الستينات والسبعينات والثمانينات التي شهدت بداية صعود التيارات السلفية المتشددة في مصر والمنطقة العربية عامة، كما ساهمت المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في ما يسمى ب«حادثة المنشية» التي خططت لها جماعة الإخوان الإرهابية وأدت تبعاتها لإقصائهم من المشهد السياسي وملاحقتهم من قبل الجهات الأمنية، في أن تحظى الدعوة السلفية عامة بدرجة من القبول لدى السلطات لدعمها في تقويض جماعة الإخوان، انطلق على إثرها السلفيون بكافة أطيافهم بمعزل عن «الإخوان»، ولكن سرعان ما سقطت الكثير من هذه التيارات في ذات الحفرة التي سقط فيها «الإخوان» وهي الإسلام السياسي وما يصاحبه من تطرف وتكفير وعمل مسلح، فقد تبنى تنظيم «الجهاد»، الذي يعد من أشهر التنظيمات في تاريخ الفكر المتطرف والإرهابي، فكرة القيام بانقلاب عسكري لتحقيق مشروعه في إقامة دولة إسلامية على النهج السلفي، وتبنى التنظيم منهجية اختراق الجيش من خلال تنشئة أعداد من طلبة المدارس على أفكار التنظيم ومن ثم دفعهم للالتحاق بالكليات العسكرية، وتورطوا في بداية مشوارهم مع القيادي الفلسطيني صالح سرية في محاولة انقلابية فاشلة ضد الرئيس المصري أنور السادات عام 74، التي عرفت ب«عملية الكلية الفنية العسكرية»، وأفضت إلى اضمحلال ونهاية مرحلة الجيل الأول لجماعة «الجهاد» المصرية التي نشأت في الستينات، وكان من بين مؤسسي الجيل الأول علوي مصطفى، وإسماعيل طنطاوي، وحسن الهلاوي، ونبيل البرعي. في النصف الثاني من السبعينات، ظهر الجيل الثاني من جماعة «الجهاد» المصرية وعادت إلى الصعود مجدداً، وعملت تحت مظلتها عدة خلايا عنقودية ومجموعات وتشكيلات متفرقة، من أبرزها 3 مجموعات؛ جماعة الجهاد بجناحيها السلفي المتطرف والتكفيري الإرهابي، والجماعة الإسلامية التي تزعمها عمر عبدالرحمن، وعمل تحت لوائها مجموعة من الضباط في القطاع العسكري، ونوعياً توحدت هذه الجماعات «فكرياً» خلف طروحات القيادي محمد عبدالسلام فرج، التي جاءت في كتابه «الفريضة الغائبة» أواخر السبعينات، وهذا الكتاب كان يعد المرجع الفكري لتنظيم الجهاد في ذلك الوقت. وكان نبيل نعيم من ضمن القيادات التي أسست الجيل الثاني للتنظيم، ومن بينهم أيضاً أيمن الظواهري القائد الحالي لتنظيم القاعدة الإرهابي، وعدد من القيادات الأخرى، ثم ظهر فجأة الفلسطيني الأزهري الغامض محمد سالم الرحال، واستطاع خلال فترة وجيزة توحيد هذه الجماعات «تنظيمياً» ورفع مستوى التنسيق بين قياداتها بشكل لافت، وكان بمثابة المفتي العام لجماعة الجهاد، ويقال إنه هو المؤلف الحقيقي ل«الفريضة الغائبة» الذي نسب للقيادي محمد عبدالسلام فرج، ثم اشتبهت فيه السلطات المصرية وحقق معه وزير الداخلية النبوي إسماعيل وتم ترحيله إلى الأردن بناء على أفكاره المتطرفة، ولكن قبل اكتشاف دوره الحقيقي الذي كان يخطط له وهو الانقلاب على الحكم في مصر، وانتهى الرحال في مستشفى للأمراض العقلية بعد أن قتل والده في مثال بارز على اضطراب هذه الشخصيات المتطرفة. ثم برز لاحقاً القيادي سيد إمام الذي كان يعرف بعدة أسماء حركية أشهرها الدكتور فضل وعبدالقادر بن عبدالعزيز، وألف كتابه المتطرف «الجامع في طلب العلم الشريف» ليصبح المرجع التكفيري الأم ليس فقط لجماعة الجهاد، بل لغالبية الجماعات الإرهابية حول العالم، ومن بينها القاعدة وداعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية، إذ طرح إمام من خلال هذا الكتاب محتوى تكفيرياً يفوق الطروحات التكفيرية للقطبيين وجماعة «الدعوة والهجرة» التي يطلق عليها «التكفير والهجرة». كان نبيل نعيم بمثابة الذراع اليمنى لزعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري، ذهبا سوياً إلى أفغانستان مطلع الثمانينات، وكانا ضمن أولى طلائع المقاتلين العرب والمصريين الذين وصلوا إلى هناك لأسباب قد تفاجئ البعض، فهي أشبه بالمثل الدارج «حج.. وبيع سبح»، ولم يقضوا هناك سوى أشهر قليلة، ثم عادا مجدداً إلى أفغانستان في النصف الثاني من الثمانينات بعد أن قضيا سوياً أيضاً عدة سنوات في السجون على خلفية قضية اغتيال السادات، وسكن نعيم مع الظواهري في منزله في بيشاور نحو 4 سنوات وكان الأقرب له من بين جميع قيادات الجهاد، وكان أيضا بمثابة المستشار الفقهي باعتباره المتخصص الوحيد في أصول الفقه والشريعة داخل الدائرة الضيقة من القيادات التي أحاطت بالظواهري، والمثير في الأمر أنهما في كلا المرتين لم تكن النية الأساسية من ذهابهما إلى أفغانستان من أجل «الجهاد» ضد السوفييت، ففي المرة الأولى ذهبا إلى هناك من أجل غاية لا علاقة لها بالجهاد، وفي المرة الثانية نستطيع أن نصف ذهابهم إلى أفغانستان بأنه «جهاد المضطر». كان الظواهري بالنسبة إلى نبيل نعيم بمثابة «رفيق العمر»، وكدت أقول «رفيق السوء»، فقد جرفه معه في التخطيط للانقلاب على السادات، وورطه لاحقاً في عملية اغتيال السادات، وهو من أرشد على مكانه خلال ملاحقات «قرارات التحفظ» فتسبب في القبض عليه وكان وراء سجنه لأكثر من 7 سنوات. وكان الظواهري أيضاً، بشكل أو بآخر، سبباً في أن يقضي نعيم 20 عاماً أخرى خلف القضبان في قضية «العائدون من أفغانستان». ونوضح للقراء الكرام أن الدعوة السلفية في مصر عامة أخذت إطاراً تنظيمياً في العقد الثاني من القرن العشرين تحت مسمى جماعة «أنصار السنة المحمدية»، وهي النواة التي تشكلت منها «السلفية الجهادية» وهي الأفكار التي نشأ عليها تنظيم «الجهاد»، إذ إن القادة الأوائل للتنظيم في الستينات الميلادية تربوا في مساجد جماعة أنصار السنة المحمدية وتأثروا بدروس محمد خليل هراس في مسجد أنصار السنة وهناك تأسست جماعة الجهاد. وبالنسبة إلى تجربة ضيفنا في هذا النقاش، نبيل نعيم كعضو مؤسس وقيادي وأحد أمراء جماعة الجهاد المصرية، لا شك أنها تجربة ثرية وبالغة الأهمية بالرغم من قساوتها و«ما لها وما عليها»، فقد قضى أكثر من 40 عاماً بين جماعات وتنظيمات السلفية الجهادية وذهب منها نحو 3 عقود خلف القضبان، وخلال فترات سجنه المتفرقة قضى 10 سنوات في زنزانة انفرادية لا تتجاوز مساحتها (مترين X مترين) ولم يفتح بابها نهائياً إلا بعد انقضاء المدة كاملة. نبيل نعيم اليوم وبعد مخاض هذه التجربة الطويلة في غياهب التنظيمات الإسلاموية ينفي عن نفسه تهمة التطرف، ويؤكد أنه ليس تكفيرياً ولا متشدداً ولا يعارض الحاكم ولا ينتمي حالياً إلى أي جماعة إسلامية، هو إنسان مسلم فقط.. «عكاظ» أجرت لقاء مطولا معه نطرحه من خلال عدة حلقات لا تعد حواراً بقدر ما هي مراجعة فاحصة لهذه التجربة، وننوه بأننا لا نتبنى وجهات النظر التي طرحها الضيف بقدر ما نسعى للاستفادة من هذه التجربة في سبيل إثراء الوعي العام وكشف المزيد من الحقائق عن هذه الجماعات. • كيف تشربت وصقلت أفكار السلفية الجهادية.. حدثنا عن بداية الانطلاقة والمرحلة المفصلية التي دفعت بك داخل التنظيمات الجهادية والمتشددة؟ •• كانت البداية من مساجد «أنصار السنّة المحمدية»، وكان الشيخ خليل هرّاس في تلك الفترة يقوم بتدريسنا كتب العقيدة السلفية، ثم حصلت على شهادة البكالوريوس من كلية دار العلوم جامعة القاهرة تخصص لغة عربية وشريعة إسلامية، وحصلت على الماجستير في رسالة عن كتاب المستصفى في أصول الفقه للإمام الغزالي، ولم أكمل درجة الدكتوراه بسبب دخولي السجن عام 1979 في قضية اتهمت فيها بقتل أحد أعضاء جماعة «التكفير والهجرة» في الإسكندرية عقب مناظرة بين أعضاء من جماعة «الجهاد» و«التكفير» في الإسكندرية، إذ كنت مسؤولاً عن إدارة المناظرة بين الطرفين، وخلالها تراجع عدد كبير من جماعة «التكفير» عن آرائهم، فتم تحذيري من قبل قيادات في الجماعة بعدم الاستمرار في الرد على معتقداتهم، وكان لدى هذه الجماعة مجموعة متطرفة تسمى «الكتيبة الخضراء» هدفها تصفية المخالفين والمنشقين ومن يرد على فكرهم أو تحديداً أفكار ورؤى شكري مصطفى الذي يعد أحد أبرز المنظرين التكفيريين لفكر هذه الجماعة، والذي تلخصت أفكاره وجماعته في أن سائر المعاصي تعتبر كفراً، وبالتالي فكل من ارتكب مخالفة شرعية من المخالفات الواردة في القرآن والأحاديث فهو كافر كفراً يخرجه من ملة الإسلام ويحكم عليه كمرتد. وكان أعضاء هذه الكتيبة مسؤولين عن اغتيال وزير الأوقاف المصري سابقاً محمد حسين الذهبي عام 1977 بعد أن قاموا باختطافه وحبسه كرهينة وطالبوا حينها بالإفراج عن عدد من سجناء الجماعة وفدية مالية، وتم قتله عقب رفض السلطات تلبية مطالبهم. أما بالنسبة لقضيتي فكانت دفاعاً عن النفس وتعرضت خلالها لاعتداء بالمطاوي والسكاكين أثناء الصلاة في المسجد وتعرضت لإصابات خطيرة في الرأس والأيدي وقطع في الأذن اليسرى، واحتجزت بسبب هذه القضية شهرين رهن التحقيق ثم صدر الحكم علي عام 1983 بالسجن لمدة عامين، ولكن أُسقط الحكم عني بسبب الحكم علي في قضية اغتيال الرئيس السادات بالسجن 7 سنوات، لأن الحكم الكبير يلغي الحكم الأصغر، وكان لهذه الحادثة تأثير كبير جداً على نبذ فكر التكفير عامة. الظواهري عالجني وجندني مع الجماعة • وكيف أصبحت من قيادات جماعة الجهاد؟ •• خلال فترة الشهرين التي احتجزت فيها التقيت بعض المحكومين في قضية «تنظيم كلية الفنية العسكرية»، وهي المحاولة الأولى للانقلاب العسكري الفاشل ضد الرئيس أنور السادات عام 1974 بقيادة الفلسطيني صالح سرية، وكنت ما زلت أعاني حينها من آثار الإصابات التي تعرضت لها، فحينها عرض علي أحد أعضاء جماعة الجهاد المحكومين في قضية «الفنية العسكرية» الذهاب للدكتور الجراح أيمن الظواهري في عيادته أمام محطة الزهراء في حي المعادي بالقاهرة، مؤكداً أنه سيعالجني من آثار الإصابات. تعرفت على الظواهري في عيادته ودار بيننا نقاش طويل عن الأفكار الجهادية والسلفية وأعجب بآرائي، وعرض عليّ أن أتعرف على أحد قيادات جماعة الجهاد وهو عصام القمري الذي كان يعمل في الجيش المصري برتبة رائد، وكان مسؤولاً عن التجهيز لعملية انقلاب ضد حكم السادات لإقامة حكومة إسلامية سلفية على غرار ثورة الخميني الشيعية في إيران. وكان القمري يسعى لتدريب مجموعة من أعضاء الجهاد على استخدام الدبابات، وكانت أفغانستان هي الميدان العملي المتاح للتدريب على استخدام الدبابات الروسية التي يستخدمها الجيش المصري، وهذا هو السبب الأساسي لسفرنا إلى أفغانستان عام 1980 بعد الغزو السوفييتي بعام واحد، وكنت ضمن أوائل المصريين الذين ذهبوا إلى هناك برفقة 3 أعضاء آخرين من جماعة الجهاد، في حين وصل أيمن الظواهري -الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة- عن طريق نقابة الأطباء قبل وصولي بشهر، والتقينا هناك للتدرب على دبابة روسية يمتلكها حكمتيار، ولم تكن الأوضاع مهيأة بالشكل المناسب للبقاء فعدنا أدراجنا بعد أشهر قليلة. • إذن.. لم تجاهدوا في أفغانستان؟! •• نعم جاهدنا ولكن لم نذهب إلى هناك بنية الجهاد ضد الروس بل للتدرب على الدبابات الروسية من أجل القيام بعملية انقلاب عسكري ضد السادات، ولم نقض في أفغانستان خلال الرحلة الأولى عام 1980 سوى أقل من 6 أشهر. • جماعة الجهاد كانت مكونة من 3 مجموعات وتشعبت منها فروع أخرى ولها قيادات عدة.. متى وكيف تأسست جماعة الجهاد المصرية؟ ومتى تحديداً أصبحت قيادياً فيها؟ •• تأسست جماعة «الجهاد المصري» بعد نكسة 1967 كرد فعل للعدوان الإسرائيلي، وحينها التحق عدد كبير من معتنقي فكر الجماعة بالكلية الحربية بهدف الجهاد ضد إسرائيل، وكان من بينهم عصام القمري، وسيد موسى، وسيد إمام، ونبيل البرعي، وكان يتزعمهم حينها شخص يدعى علوي مصطفى عليوة، وهؤلاء هم الجيل الأول للجماعة، ثم خرج عن هذه الجماعة أعضاء خلية «كلية الفنية العسكرية» عام 74، وكان من بينهم كارم الأناضولي، وطلال الأنصاري، وسعد دربالة، وحسن الهلاوي، وكان يتزعمهم صالح سرية، ثم حُكم على سرية بالإعدام في المحاولة الأولى لاغتيال السادات، وحُكم على الأناضولي بالمؤبد، وحينها أصبح مصطفى يسري زعيماً للجماعة، وأعلن حلها وتفكيكها والتراجع عن أفكارها بسبب تورطهم في قضية محاولة اغتيال السادات الأولى. وفي أواخر السبعينات، عاد المعتنقون لأفكار الجهاد إلى إعادة تشكيل جماعات الجهاد وتأسيس الجيل الثاني لجماعة «الجهاد المصري»، وكنت من ضمن قيادات الجيل الثاني ومن بين هؤلاء أيمن الظواهري ومحمد عبدالسلام فرج ونبيل المغربي، وكنا بصدد اختيار الفلسطيني محمد سالم الرحال -الذي كان مفتياً للجماعة حينها- بأن يكون أميراً لجماعة الجهاد ولكن نصحنا الراحل حسن الهلاوي، وهو من قيادات الجيل الأول البارزين، بعدم تكرار تجربة الفلسطيني صالح سرية الذي ترأس خلية «كلية الفنية العسكرية» وقادها إلى الهاوية، إضافة إلى الأجندات غير المعلنة لهذه الشخصيات وعلاقاتها السرية خارج إطار الجماعة، ولذلك أبقينا على دور الرحال مفتياً للجماعة. • شخصية القيادي الأردني من أصل فلسطيني (الرحال) ظلت غامضة لدرجة أنه لا توجد صورة له ولا معلومات وافية عنه، رغم أنه أدى دورا هائلا في الربط والتنسيق بين مجموعات «الجهاد» كافة.. من هو هذا الشخص؟ •• بالتأكيد أن الداخلية المصرية كانت لديها معلومات عنه، ولذلك تم استدعاؤه بعد الاشتباه في تحركاته والتحقيق معه، ولكن تم ترحيله إلى الأردن قبل اكتشاف دوره الحركي الحقيقي، حيث لعب دوراً محورياً في ربط جميع مجموعات الجهاد المصري تحت مظلة واحدة وكان هو المرجع الأساسي لهذه المجموعات، كما أنه يعد المؤسس الحقيقي لجماعة الجهاد الفلسطيني، وقد تعرفنا عليه عن طريق القيادي السابق حسن الهلاوي، إذ درسا سوياً أصول الدين في جامعة الأزهر، وعندما انتشرت الأفكار التكفيرية للقطبيين وجماعة التكفير والهجرة أوصى الهلاوي، رحمه الله، بالاستعانة بمحمد سالم الرحال للرد على تلك الطروحات، وكان حينها يحضر لدرجة الماجستير في الأزهر ولم يكن معروفاً بين الجماعات، وبعد لقائنا به وجدنا أنه قارئ مميز وفقيه في علوم الدين ويتسم بالتواضع، وكان أسلوبه في الحديث والنقاش سبباً في تقبله بين قيادات جماعة الجهاد في ذلك الوقت، خصوصا أن الجماعة تستند إلى الفكر السلفي وكنا نداً لأفكار جماعة التكفير والقطبيين ونقف ضدها، وكان مؤهلاً للرد عليهم. خزنت ذخيرة «عملية السادات» في منزلي • ماذا كان دورك في عملية اغتيال السادات؟ •• لم أفكر في مسألة اغتيال السادات ولا أؤيد ذلك ولكني كنت أسعى مع الجماعة للقيام بالانقلاب عليه وإقامة حكم إسلامي، ولذلك كنت أخزن أسلحة جماعة الجهاد في منزلي، وكان عصام القمري يجلب الأسلحة المسروقة من مخازن الجيش، وكنت أنقلها على مركبتي الخاصة لمنزل مهجور يمتلكه خالي في مدينة قليوب بالقرب من القاهرة، وأقوم بتخزينها في حفرة تحت الأرض، وكنا قد بدأنا عملية تخزين الأسلحة قبل بروز فكرة التخطيط لاغتيال السادات بفترة طويلة، وكانت الغاية كما أسلفت لك هي القيام بانقلاب عسكري، أما التخطيط لعملية الاغتيال فقد تولدت فكرته بسبب أحداث فتنة «الزاوية الحمراء» الطائفية، وما تلاها من عقاب جماعي عبر عمليات اعتقال تعسفية للإسلاميين المتشددين تحت ما أطلق عليه النظام آنذاك «قرارات التحفظ»، وشملت الاعتقالات أيضاً المعارضين السياسيين لنظام السادات واتفاقية كامب ديفيد كذريعة للتخلص منهم جميعا دفعة واحدة. • وكيف سرقتم الأسلحة من الجيش؟! •• كان يوجد قطار في ذلك الوقت يقوم بنقل ذخيرة للجيش المصري ويتوقف في إحدى المحطات ويقوم بتبديل جرار القطار، وخلال وقت التوقف كانت تتم سرقة كميات كبيرة من السلاح والذخيرة خلسة وعن طريق أعضاء في الجماعة يعملون في الجيش، وكان دوري في العملية هو نقل تلك الأسلحة وتخزينها. فتنة «الزاوية الحمراء» • كثر اللغط والقيل والقال والروايات حول أحداث «الزاوية الحمراء» الطائفية التي بسببها صدرت «قرارات التحفظ» المثيرة للجدل.. ماذا جرى برأيك؟ •• أحداث فتنة «الزاوية الحمراء» الطائفية تتلخص في أن مواطنا قبطيا اسمه كامل سمعان استأجر قطعة أرض من مواطن مسلم في منطقة الزاوية الحمراء الشعبية في العاصمة القاهرة واستخدمها لتخزين مواد للبناء، ثم ارتفعت قيمة الأراضي والعقارات في تلك المنطقة فقرر صاحب الأرض إخراج المستأجر القبطي لبيع الأرض ولكنه رفض وماطل في إخلاء الأرض، وكانت القوانين معقدة وليس من السهل طرد المستأجر، فذهب صاحب الأرض إلى أحد مساجد منطقة المطرية المجاورة وكان القيادي في جماعة الجهاد رفاعي سرور يقيم حلقات في ذلك المسجد، وادعى صاحب الأرض حينها أن المستأجر القبطي سيقوم بتحويل الأرض التي يمتلكها إلى كنيسة فهاج الحاضرون وقرروا طرد المستأجر القبطي من الأرض بالقوة وقاموا على الفور ببناء مسجد «النذير» على مساحة الأرض، فقام المواطن القبطي بإطلاق النار على العاملين في بناء المسجد وقتل 3 منهم، إضافة لامرأة وطفلها كانا يقفان بالقرب من الموقع. وفي ذلك اليوم الدامي، اتصل بي أيمن الظواهري وطلب مني تزويد الإخوة في الجماعة ببعض الذخيرة بشكل عاجل للرد على القبطي كامل سمعان وكذلك سرقة محل ذهب يملكه مواطن قبطي في منطقة شوبرا الخيمة، فقلت للظواهري: «هو كامل سمعان يضرب جامع ونرد نحن بسرقة محل ذهب»، فرفضت تسليمه الذخيرة، وقلت له: «هل تريد أن يقبض علينا في قضية سرقة»، فقال الظواهري إن هذا الأمر مخطط له بعناية، فرفضت مجدداً وأوضحت له أنه سيتم القبض على الفاعلين وسيعترفون بكل شيء ولن أوافق على هذا الفعل، فتواصل الظواهري مع الجهاديين وأبلغهم أنه لم يستطع توفير الذخيرة، فقاموا بتدبير الذخيرة المطلوبة لعملية السرقة من مصدر آخر، وكما توقعت تم القبض عليهم واعترفوا بكامل التفاصيل؛ ومن بينها أن الظواهري وعدهم بتسليمهم بعض الذخيرة ولم يتمكن من ذلك، فتم استدعاء الظواهري من قبل المدعي العام حينها رجاء العربي، وسأله عن سبب عدم تزويده لهم بالذخيرة لسرقة المحل، فأوضح له بأن المصدر المحتفظ بالذخيرة رفض تزويده بها بعد أن عرف السبب، فتم إخلاء سبيله وتبرئته من الضلوع في السرقة، وبسببها قام الظواهري بتقبيل يدي حين التقينا بعدها ب3 أشهر في السجن على ذمة قضية اغتيال السادات، لأنني كنت سبباً حينها في عدم تلطخ سمعة أسرة الظواهري في قضية سطو وسرقة، وكانت هذه الواقعة أحد أسباب توطد العلاقة بيني وبين الظواهري. •ولماذا حُكم عليك في قضية اغتيال السادات ب7 سنوات؟ •• قبل أحداث اغتيال الرئيس أنور السادات كان تنظيم «الجهاد» قد قام بضرب كنيسة «مسره» رداً على الاعتداء على مسجد «النذير»، وسقط حينها نحو 5 قتلى، فطلب مني الظواهري في 22 سبتمبر 1981 تسليمه ذخيرة لأن أعضاء في الجماعة العاملين في القطاع العسكري سيشاركون في عرض عسكري وسيتم خلاله قتل السادات، فسلمته الذخيرة المطلوبة وحملناها سوياً على مركبتي وذهبنا للقاء محمد عبدالسلام فرج وعبود الزمر وسلمناهما كميات من الذخيرة، وبسبب هذا الدور حكم عليّ ب7 سنوات «فقط» لأنني لم أعترف بالضلوع في العملية ولم يجدوا الأسلحة في منزلي، ولكن اعترافات الآخرين ضدي كانت السبب في الحكم عليّ. • هل كان الدافع الأساسي لاغتيال السادات هو الانقلاب وإقامة حكم إسلامي أم بسبب السلام مع إسرائيل؟ •• في الواقع والحقيقة، كان الدافع الأول والأساسي للقيام بعملية اغتيال السادات هي «قرارات التحفظ» المرتبطة بأحداث «الزاوية الحمراء» الصادرة في 3 سبتمبر 1981، أما السبب الثاني الذي لم يكن دافعاً لدى جماعات الجهاد من الأساس فهو التوقيع على اتفاقيه «كامب ديفيد» للسلام مع إسرائيل. وللتوضيح فإن قرارات التحفظ التي كنا نرى أنها جائرة هي قرارات أصدرها السادات بالتحفظ على جميع معارضيه ومن لديهم نشاط سياسي في الجامعات ومن لديهم سوابق في المعارضة السياسية ضد النظام، وكان عدد المتحفظ عليهم أكثر من 1500 شخص، وكانت تلك الأحداث ذريعة للتخلص من المعارضين السياسيين وليس من الإسلاميين فقط، حيث شملت الاعتقالات جميع التيارات ممن عارضوا اتفاقية كامب ديفيد، ومن بينهم التيارات العلمانية والاشتراكية والناصريون، وكان من بين المعتقلين محمد حسنين هيكل، وزعيم حزب الوفد فؤاد سراج الدين، وغيرهما. وكنت مع عدد كبير من قيادات تنظيم «الجهاد» ضمن قوائم التحفظ، وكنا هاربين من السلطات، وحينها اجتمعنا مع أعضاء «الجهاد» وقال القيادي في تنظيم «الجهاد» محمد عبدالسلام فرج، الذي كان مسؤولا عن التنظيم في منطقة الجيزة، إن السادات إذا قبض علينا فسيتم قتلنا أو سنبقى مدى الحياة خلف القضبان تماماً كما فعل جمال عبدالناصر مع جماعة الإخوان بعد «أحداث المنشية»، ولذلك علينا «قتله» قبل القبض علينا، وبالتالي كانت «قرارات التحفظ» التي صدرت على خلفية أحداث «الزاوية الحمراء» هي الدافع الرئيسي والأساسي للتخطيط لقتل السادات، وكان محمد عبدالسلام فرج هو المؤسس لفكرة اغتيال السادات. فتوى: «والصف الأول لا حرج» • إذن محمد عبد السلام فرج هو من أفتى بقتل السادات؟ •• لا.. وهناك لبس لدى الكثيرين في هذه المسألة، فالحقيقة أن فرج هو مصدر فكرة قتل السادات، وكان كتابه «الفريضة الغاضبة» بمثابة الدافع الفكري للقيام بالعملية، ولكن عمر عبدالرحمن هو من أصدر الفتوى بقتل الرئيس السادات، وذلك بعد أن طلب خالد الإسلامبولي، وهو أحد ضباط الجيش الذين قادوا عملية الاغتيال والتخطيط لها، سماع الفتوى مباشرة على لسان عمر عبدالرحمن، وبناء على ذلك اجتمع عدد من أعضاء «الجهاد» معه لأخذ الفتوى، كما سألوه حول احتمالية سقوط ضحايا بجانب السادات من الجالسين معه في الصف الأول فما هو حكم ذلك؟.. فرد عليهم: «والصف الأول لا حرج». وبناء على تلك الفتوى وضع الإسلامبولي خطته لاغتيال السادات باعتبار أن اسمه كان مدرجا ضمن المشاركين في العرض العسكري الذي سيحضره الرئيس في مدينة نصر بتاريخ 6 أكتوبر 1981، وكانت فقرة العرض التي سيشارك فيها ستكون على عربة عسكرية مع عدد من الضباط الآخرين، وقال حينها إذا تمكنا من استبدال الطاقم المشارك معي ببعض أعضاء جماعة الجهاد المتمكنين في إطلاق النار سنستطيع قتل السادات، فقام محمد عبدالسلام فرج بتقديم قائمة بالأسماء المؤهلة لتنفيذ العملية كبدلاء للطاقم المشارك مع خالد الإسلامبولي في العرض العسكري، وقام الأخير بإعطاء إجازة للمشاركين معه واستبدلهم بالأسماء المقترحة، وهم: عبدالحميد عبدالسلام (ضابط عامل في الجيش خريج الكلية الحربية)، وعطا طايل (مهندس ضابط احتياط)، وحسين عباس (شاويش معلم قناص)، والأخير هو القاتل الحقيقي للرئيس السادات، إذ أصابت طلقاته منطقة العنق والقلب وتسببت في مقتله بحسب تقرير الطبيب الشرعي. • وما الذي عزز الرأي السائد بأن «كامب ديفيد» هي ذريعة مقتل السادات وليست «قرارات التحفظ» كما تقول؟ •• بعد مقتل السادات، تم الإفراج عن غالبية الموقوفين السياسيين على قوائم «قرارات التحفظ»، وقام الكثير منهم بالدفاع عنا ودعم تكاليف الترافع في المحكمة، وهؤلاء كانوا جميعاً من المعارضين لاتفاقية «كامب ديفيد»، ولقنونا حينها بأن علينا تصوير قضية اغتيال السادات على أساس أنها مرتبطة ب«كامب ديفيد» والسلام مع إسرائيل؛ أي أنها قضية سياسية وليست رد فعل على «قرارات التحفظ»، وذلك حتى لا تكون قضية انتقام شخصي وتأخذ طابعا جنائيا فقط، وكانت النية لدى هؤلاء السياسيين تتجه نحو التدويل السياسي للقضية وتحويلها إلى ورقة ضغط لإلغاء الاتفاق. • كيف قُبض عليك أثناء الهروب من قرارات التحفظ؟ •• كنت مع عصام القمري وعلمت الجهات الأمنية بالموقع الذي كنا نختبئ فيه بعدما أرشدهم أيمن الظواهري لمكاننا عقب القبض عليه في أكتوبر 1981. • ولماذا توطدت علاقتك بالظواهري رغم أنه وشى بمكان وجودك وتسبب في سجنك؟ •• لم أضع عليه اللوم كما فعل الآخرون لأنني كنت أعلم أنه اعترف تحت ظروف الاعتقال، وكان هذا الأمر سبباً في تقاربنا، وكان يثق بي كثيراً وكنت الوحيد الذي سكن معه في منزله حين عدنا إلى أفغانستان. الإخوان مرضى ومنحطون • دعنا نعود مجدداً لمرحلة الجامعة، لماذا كانت هناك كراهية متأصلة بين السلفيين و«الإخوان» داخل الجامعات المصرية، خصوصا مع انتشار أفكار جماعة الجهاد في السبعينات؟ •• كانت لدينا كراهية ضد أعضاء تنظيم «الإخوان» منذ مرحلة الدراسة الجامعية في السبعينات بسبب ممارساتهم داخل الجامعات التي تتسم بالتسلط والغدر، وكانوا يحرضوننا ويدفعون أعضاء جماعة «الجهاد» والسلفيين إلى تكسير الحفلات الغنائية مثلاً ثم يعلنون استنكارهم لتلك الأفكار ويتبرأون من أفعالنا، ومن ناحية أخرى كانوا يقدمون المساعدات والدعم فقط لأعضاء «الإخوان»، وخلال 40 عاماً من معرفتي بهذه الجماعة لا ينضم إلى عضويتها إلا شخص مريض نفسياً ومنحط أخلاقياً وليست له مبادئ، وذلك لأنها جماعة تعتمد على مسخ شخصية أعضائها الأتباع على مبدأ الطاعة العمياء كما يقول زعيمهم حسن البنا «أن تكون في يدي أميرك كالميت في يدي المغسل». فقراء ولصوص • كانت جماعة الإخوان منذ نشأتها ثرية ولديها مصادر تمويل متعددة داخلياً وخارجياً.. ماذا كانت مصادر التمويل بالنسبة لكم في جماعة الجهاد المصري؟ •• كنا فقراء جداً، ومصادر تمويل الجماعة ذاتية نجمعها من مرتبات الأعضاء ومدخولاتهم، وكان أعضاء الجماعة يعتمدون على السرقات، مثل السطو على محلات الذهب، وحتى السلاح كنا نسرقه من مخازن الدولة بالاعتماد على أعضاء الجماعة العاملين في الجيش والقطاعات العسكرية والأمنية. أما عندما ذهبنا إلى أفغانستان فكنا نعتمد على الدعم القادم من المنظمات الإغاثية ومكتب «خدمات المجاهدين العرب» الذي أسسه عبدالله عزام في بيشاور عام 1984 وأشرف عليه، وكان هو المشرف على استلام المساعدات الإغاثية والإنسانية والمالية التي تقدم لدعم أفغانستان خلال فترة الصراع ضد الغزو السوفييتي ومن يصرف على المقاتلين.