يحكي الآباء والأمهات لأبنائهم قصص مجيئهم إلى الحياة، كيف استقبلوهم، بماذا شعروا عندما شاهدوهم لأول مرة، الهدايا التي تم إحضارها لهم، الأحداث السعيدة المتزامنة مع ولادتهم، فرح العائلة بمجيئهم، لكن حكايات الولادة ليست دائما مكللة بالفرح؛ فهناك الملايين من الحكايات الحزينة في عالمنا العربي لمجيء الأطفال إلى الحياة، مثل تلك الحكاية التي سيسمعها الطفل اللبناني (نبيل صوايا) عن ولادته عندما يكبر، فقد جاء إلى الحياة في ظرف عصيب ومرعب جدا، للحد الذي يشعر والده بالحرج الشديد منه عندما يكبر ويخبره بذلك، حيث جاء ذلك الملاك الصغير بالتزامن مع كارثة انفجار (مرفأ بيروت) لتعاني والدته إلى جانب ألم ولادته من الرعب من هول الكارثة، وليكون هو كالنور الذي انبثق من وسط الظلام. سقط رأس نبيل في بيروت وهي تلتحف الدخان وصرخات الناس وتغرق في الدماء والحطام، خرج في غرفة مظلمة عصف بها الانفجار، ليشاهد أبويه وقد تلطخت ثيابهما بالدماء، جاء مفعماً بالحياة إلى بيروت التي باتت بلا حياة، شاحبة، حزينة، منهكة، لينتظره مستقبل مجهول، وليصبح لسان حاله عندما يكبر ما قاله دوستويفسكي في رواية الأبله: «لو كانت ولادتي مرهونة بإرادتي، لرفضت الوجود في ظل ظروف ساخرة إلى هذا الحد». كل يوم تخلق في عالمنا العربي حكايات لولادات حزينة؛ فلعنة الحروب والنزاعات المسلحة والطائفية والأحزاب والإرهاب تتربص بالأجنة في بطون أمهاتهم، لتستقبلهم بالصواريخ والقنابل والانفجارات والنيران ورائحة الدم والدخان، وترعبهم وتجوعهم وتشردهم، وتصبغ مستقبلهم بالدمار والضياع، وتحولهم إلى أرقام في إحصاءات الجوع والفقر واللجوء والحرمان واليتم والموت. لأجل الأطفال يجب أن يتوقف كل ذلك العبث والإجرام الذي يحدث في عالمنا العربي، وأن تتلاشى جميع الحروب، وتستبدل سيناريوهات العداء والكره والدمار بسيناريوهات محبة وتعايش وتنمية ورخاء، ويعود الأطفال المشردون إلى أوطانهم وبيوتهم ومدارسهم، وينعم الأجنة في بطون أمهاتهم بالأمان، ويأتون إلى الحياة بسلام، ويعيشون مطمئنين مدى الحياة، ويستمعون بفرح عندما يكبرون لحكايات ولاداتهم السعيدة. كاتبة سعودية reemeta22@