حينما قرأت شروحات وتفسيرات حاكم في رسالة «الأربعون المتواترة في فضائل إسطنبول الفاخرة» شعرت أن هذا الخطاب سبق أن مر علي فراجعت كتاب «إتحاف الجماعة في الفتن وأشراط الساعة» للشيخ حمود التويجري -رحمه الله -إذ كان هذا الكتاب هو المرجع المرافق لجهيمان وكثيرا ما قرأته من خلال نسخة جهيمان إذ كنت لا أملك هذا الكتاب. وهذا الكتاب كان يصاحب جهيمان في رحلاته، إلا أن الشيخ التويجري لم يذكر إلا نصوص الأحاديث مجال البحث. ولم يتطرق إلى إسقاطها على الواقعة التاريخية إلا نادراً. أما جهيمان فقد تطرق إلى ذلك في رسالة (الفتن وأشراط الساعة وخروج المهدي المنتظر)، واتبع هذا الأسلوب في أحاديث الفتن لصالح قضية المهدي المنتظر التي انتهت بهم بارتكاب جريمة دخول الحرم بالسلاح، أما الدكتور حاكم فقد اتبع نفس المقدمات التي كان يتبعها جهيمان خصوصاً في مسائل الفتن والمبشرات مع مسار براغماتي نفعي. أنا أذكر كيف كان جهيمان يبشر بالخلاص في مجالس بيوت الجماعة في الرياض وفي مكة وفي المدينة. و كان هذا مبكرا، ودفع إلى تكثيفه لتسريع تحقيق الهدف المنشود، وأذكر كيف كانوا يتداولون الرؤى والأحلام حتى أصبحت من ثقافة الجميع إلى أن وصلت لحد الشهرة والتوافق على الأفكار المطروحة؛ أعني فكرة آخر الزمان وما يتبعها من تبشير بفكرة المهدي والسير في طريقه. والمسألة عند الدكتور قريبة من هذا المنحى إلا أنه استعاض عن الأحلام والرؤى بأخبار الفتن وعلامات الساعة إضافة إلى نكهة حداثية تتيح له المرور، وتجاوز العقلانية أو علمانية تركيا والغرب، والغريب أن محمد المسعري أستاذ الفيزياء أصبح يبحث عن حل لأزمته من خلال المهدي وقد ألف كتابا في ذلك (إعلام فضلاء البشر بأخبار المهدي المنتظر) وكأن جهيمان ومحمد المسعري وحاكم المطيري يقرأون من كتاب واحد. حقيقة هم يتبنون نفس المقدمات التي توصل بالضرورة إلى نفس النتائج. إن الوضع مع حاكم وصل لدرجة الهوس؛ ما أدى به إلى التناقض بل هو على استعداد وجودي لأن يتناقض ما دام أن هذا التناقض يوصله إلى أهدافه. والغريب أنه لا يخجل من ذلك فهو على استعداد لأن يتآمر على وطنه في سبيل تحقيق مآربه، وهي مرحلة جديدة يمر بها (الإسلام السياسي) وكما هو معروف أن (الإسلام السياسي) يعلي من شأن الأخوة الإسلامية إلا أنه بعد مرحلة 1967م وانكسار المد القومي أصبحنا نسمع أناشيد ترسخ الأممية الإسلامية الجغرافية، وتعادي الانتماء للدولة القطرية كما هو الحال مع د. حاكم ومجمل تيارات الإسلام السياسي. فحاكم قد جعل من حديث الآحاد الظني الثبوت والدلالة حديثا متواترا لصالح العثمنة، ووصل به الحال أن يرفع الخبر الموقوف أو المنقطع ويصححه كما حدث مع خبر قال (باب صفة فاتح القسطنطينية وعدالته:) ثم ذكر خبرا منقطعا «... عن عتبة بن تميم، قال حدثني الوليد بن عامر اليزني عن يزيد بن خمير عن كعب قال (أمير الجيش الذي يفتح القسطنطينية ليس بسارق، ولا زان، ولا غال). رواه نعيم في الفتن والداني في السنن، من طريقين عن عتبة به، وإسناده حسن لغيره» ص116. الخبر ضعيف فالوليد بن عامر لم يذكر بجرح ولا تعديل وهو أقرب للضعيف، وعتبة قال فيه ابن حجر مقبول أي إذا توبع ومدار الخبر على ذلك يضاف إلى ذلك أنه مقطوع غير متصل. ويقول في الخبر الثاني «باب اسم من يفتح القسطنطينية محمد: 20 عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفا له حكم الرفع قال (يفتح القسطنطينية رجل اسمه اسمي) يعني اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم رواه نعيم في الفتن بإسناد حسن لغيره». هذا الخبر ضعيف جدا يرويه رشدين بن سعد وعبدالله بن لهيعة وكلاهما ضعيف كما أن العلماء لم يرفعوا هذا النوع من أخبار عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه بسبب روايته عن أهل الكتاب. وهكذا دواليك يأتي بحديث ضعيف أو ضعيف جدا أو موضوع ويدعي لها التواتر، ويتعامل مع ذلك كمسلمة. كل هذا التلاعب بالدين في سبيل مشروعهم التآمري. بل وصل به الأمر أن يطالب بقاعدة تركية في الكويت لكي تحمي سيادتها وحدودها فهل بعد ذلك خيانة للوطن أعظم! وجميعنا يعلم ما كان يردده في دروسه وفتاواه من دعوة ممنهجة، يحرض بها على الهجرة لتركيا والسكنى فيها والرباط بها للدفاع عن مشروع أردوغان الذي هو بالتالي مشروع الإسلام السياسي عموما كما أنهم يرابطون هناك في انتظار تحقق النبوءات، وقد جذبت هذه الدعاية بعض محدودي المعرفة نوعا ما. فقد جذب هذا الخطاب دعاة السياحة (الملتزمة) وانتعش بسببهم سوق العقار في تركيا حتى تكونت مجمعات تضم أسرا خليجية تملك القدرة الشرائية لصالح ما أطلق عليه احتيالا (السياحة الإسلامية) فأردوغان لم يتبنَ هذا المشروع لقناعته بالصحوة الإسلامية ولا بالأممية الإسلامية أو الأخوة الإسلامية وإنما هو يعمل مع قطر الممولة بوعي منها كتروس في عجلة الفوضى الخلاقة. كاتب سعودي