ما لم يكن في الحسبان، وجد نحو مليوني إيطالي أنفسهم يعانون صعوبة في الخروج من المنزل وعدم القدرة على الانخراط مرة أخرى في المجتمع، نتيجة للعزلة الاجتماعية التي فرضتها عليهم قيود «الإغلاق العام» ومنع التجول بعد تفشي فايروس كورونا، الأمر الذي أرجعه الأطباء النفسيون الطليان إلى إصابتهم ب«متلازمة الكوخ». «متلازمة الكوخ» طفت على السطح بعد استخدامها في رواية الجريمة والعقاب لفيودور دوستويفسكي عام 1866، وفيلم تشارلي تشابلن عام 1925 The Gold Rush. ورفض نفسيون تشخيص حالة المجتمع السعودي في رفضهم العودة إلى حياتهم الطبيعية وممارسة هوايتهم وأعمالهم كالسابق، ب«متلازمة الكوخ»، وأكدوا أن حالة من «القلق النفسي» تتراجع خلال الثلاثة أشهر القادمة. حيث ذهب بعض الكتاب داخل المملكة وخارجها إلى هذا المسمى، إذ قالوا إن هناك فئة من الناس فقدت الرغبة في الخروج بعد مكوثها ثلاثة أشهر بسبب «المنع» لانتشار فايروس كورونا، ووصفوا هذه الحالة ب «متلازمة الكوخ» وهو مصطلح أطلقته الجمعية الإيطالية للطب النفسي بعد ملاحظة سلوك الناس في العودة إلى الحياة لطبيعتها. حيث أكد الاستشاري النفسي الدكتور سهيل خان، أن هذا المصطلح النفسي جديد استحدث بعد أزمة كورونا، ولا يعلم إن كانت هذه المتلازمة موثقة بالدراسات أم لا. وبدوره، قال الاستشاري النفسي الدكتور جمال الطويرقي، إن الدراسات الطبية والنفسية تؤكد أن الحجر أو العزل أو السجن أو العلاج الإجباري أو غيرها، من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر تسبب «الرهاب» من الخروج. مؤكداً أن فترة ثلاثة أشهر هي أقل من معدل الدراسات للأصابة بالرهاب، وما هو موجود في المجتمع هو قلق بسبب الفايروس، ويحتاج إلى ثلاثة أشهر أخرى للرجوع والعودة إلى الحال الطبيعية. إن ما ذهب إليه بعض المغردين حول التشكيك في إصابة المجتمع السعودي بمتلازمة الكوخ، غير موجود في الدراسات الطبية والنفسية، مستشهداً ببعض الحالات النفسية التي تترك في المستشفيات لسنوات طويلة دون أن تخرج ثم تطور الطب النفسي وأجبر المرضى على الخروج إلى العالم مرة أخرى، لكنهم صدموا بمجتمع متغير ومختلف وأصبح المجتمع بالنسبة لهم مخيفا، حيث اختلفت لهم طريق أكلهم وسكنهم وحياتهم، بل تغيرت حياتهم بالكامل وتغير الأهل والأصدقاء وطريقة كسبهم للعمل، إذ كان المريض يمكث في المنشأة فترة طويلة من الزمن وفجأة تم إخراجهم بعد أن تعدل النظام وأصبح لهم حقوق، لذلك أصبحت هناك مشكلة، وهذا القانون في الدول الغربية خلق لديهم مشكلات كبيرة وتزايد عدد المرضى المهملين في الشوارع. هذه القصة حدثت في مستشفى الأمراض العقلية في الطائف «شهار» وتم إخراج عدد من المرضى في فترة من الزمن، كانوا قد فقدوا أعمالهم وتخلى عنهم عوائلهم وأصدقاؤهم وأقاربهم لأنهم مرضى نفسيون. حيث خرج البعض ورفض أهاليهم استقبالهم، والبعض أُهملوا تماماً والبعض عاد إلى المستشفى مرة أخرى. أما نظرية الكوخ فهي ليست سليمة والوضع مختلف تماماً مع فترة الحجر لمدة ثلاثة أشهر بسبب فايروس كورونا، بالطبع أصبح لدى الناس خوف من الفايروس وخوف من المرض منعهم من الخروج إلى المساجد أو المطاعم أو حتى السفر وهذا يعتبر ردة فعل مؤقتة، بسبب الخوف والهلع من التجربة، ولكنها فترة قصيرة ولو استمرت إلى فترة ستة أشهر لأصبح لدى المجتمع شيء من «الرهاب»! ما يعاني منه المجتمع هو توتر وقلق من الفايروس، ولكن تعرفنا كيف نتعامل معه، والدولة قامت بمجهود كبير وأدت دورها في التوعية والعلاج، لذلك قلت الإصابات والوفيات وانحصر الفايروس دون الانتشار الوبائي. لكن المجتمع قلل من الخروج إلى الأسواق والعمل وزيارة المستشفيات والزيارات العائلية خوفاً من الفايروس، وهذه التصرفات تحتاج وقتاً للتراجع والعودة إلى طبيعتها. «الوعي المجتمعي» من جهتها، قالت الاستشارية الاجتماعية ريهام الغامدي، إن من يتتبع واقع تعاطي المجتمع عبر شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أطيافه، يدرك تمام الإدراك أن عبارات التوعية باتت تشكل منهجا أساسيا في أطروحاتهم، من حيث ترديد عبارات مختلفة متعلقة بالأزمة مثل «التباعد الاجتماعي» و«نتباعد لنتواصل»، وغيرها من العبارات التي باتت تمثل أساسا لطرح الناس في تلك الشبكات، وهذا سلوك جيد، ولكن الأهم ألا تكون تلك المنشورات عبارة عن شعارات مستهلكة يرددها الناس دون أن يترجموا معانيها على أرض الواقع. ولفتت الغامدي إلى أن كتابة المنشور وتقديمه للمتابعين يأتيان من ناحية دور مجتمعي يحقق به الشخص رضا ذاتيا، ثم لا يهم بعد ذلك ماذا يفعل، وأضافت: «فعندما نتحدث بشكل مباشر عن الوعي في الأزمات، فإننا نلحظ وجود تباين في مستوى سلوكيات الوعي المجتمعي، مقارنة بما يتلفظون به، وينطقونه، وتباينا على مستوى الوعي بين الأفراد قد يصل في بعض الحالات إلى اختلاف كبير في الوعي بين أفراد الأسرة نفسها، ثم تتسع الدائرة لتلامس أطراف العالم أجمع، فالسلوكيات هي المحدد الأساس والجوهري لقياس مستوى الوعي». ونوهت الغامدي إلى أنه وبقدر مطالبة المجتمع بضرورة التقيد بالتعليمات والوجود المنزلي طوال الفترة الماضية، فإننا بحاجة ماسة اليوم إلى توعية مضادة، تتمثل في تحفيز الناس للخروج، وكسر حاجز الخوف، والتحرر من هذه القلق، مع الالتزام بقواعد السلامة المطلوبة، وذلك من خلال صناعة إستراتيجية تثقيفية وتوعوية، عبر شبكات التواصل مماثلة لذات التي كانت تطالب الأشخاص بالبقاء.