لم نكن نتوقع أن تتغير المشاعر الإنسانية التقليدية التي تجمدت في العروق، وتحنطت منذ سنوات ماضية، بعد تفشي فايروس كورونا في العالم، إلى مشاعر متحركة تغيرت يومياً، فمن حالة الروتين النمطي السائد منذ عقود، إلى حالة الترقب والانتظار إلى الخوف والهلع، إلى الفرح والسعادة الجزئية، ثم العودة مجدداً إلى حالة الترقب والانتظار لفك طلاسم الجائحة، حتى الوصول إلى مرحلة اليقين وأخيراً إلى اللا يقين.. فمئات الآلاف ولن أبالغ إذا قلت الملايين دخلوا هذه المرحلة، خصوصاً أولئك الذين يعانون سابقاً من حالات التأزم النفسي والقلق والكآبة والعزلة والوحدة والوسواس القهري، بالإضافة إلى الأشخاص الطبيعيين الذين أضحوا في مراحل قد لا تكون مماثلة ولكن مشابهة لها، مع المتغيرات المتعلقة بفايروس كورونا من الإغلاق الكامل وشبه الكامل، إلى تخفيف الإجراءات ومن ثم العودة إلى الإغلاق الكامل وتدفق المعلومات المتضاربة منها تارة وذات المصداقية تارة أخرى.. وطرح المئات من الأسئلة حول ألغاز الوباء منها: هل سيكون الخروج من الإغلاق نهاية الأزمة الكونية؟ هل سنكون أمام أزمة اقتصادية عالمية دائمة؟ هل ستستمر المواجهة بين القوى العظمى في العالم بعد انتهاء الأزمة؟ هل ستستمر النزاعات المسلحة التي قلصت الجائحة من حدتها؟ وأخيراً وليس آخراً ماذا سيكون وضع الإنسان على هذا الكون فيما يتعلق بحالة اليقين أو عدم اليقين؟ من الطبيعي أن تصاب شرائح المجتمع العالمي، بالقلق والفرح وحالة عدم اليقين بسبب الخوف من المجهول وانتظار حدوث شيء ما، وطغيان الشعور بالوحدة القسرية والعزلة الإجبارية التي فرضتها بروتوكولات كوفيد-19 الذي أثار قضايا عالمية شائكة، وفتح معارك التفكير والريبة إلى جانب التفاؤل والحذر والحيطة، كونه أصبح وباء عالمياً بامتياز. وأدى تفشّيه إلى حدوث إرباكٍ كوني في التعاطي معه، باعتبار أن الدول العظمى التي لا تُقهر، بمؤسّساتها القوية ومختبراتها العلمية والطبّية الصلبة، برهن الوقائع على حقيقة مغايرة تماماً، كونها ضعيفة أمام فايروس غامض، وأظهرت الجائحة للكون أنها أمام حالة جديدة من نوعها حيال اليقين وعدم اليقين؛ بسبب عدم معرفة مصدر الفايروس، هل هو قادم من سوق الحيوانات بمدينة يوهان أو مختبر مجاور، أو جاءنا عبر قفز مظلي من كوكب آخر، إلى جانب حالة عدم الاستقرار النفسي والمجتمعي، الأمر الذي لا نستطيع من خلاله تحديد انتهاء مراحل الأزمة خصوصاً بعد الحديث عن موجة ثانية عالمية قادمة ونحن لم ننتهِ بعد من الموجة الأولى.. وهذا حتما سيكون مدعاة أن تستمر حالة اللا يقين، التي غالباً ما تنتج عن شعور مخيف يرتبط بالحاجة الملحّة للحقيقة اليقينية.. وأصبحت حالة عدم اليقين المرافقة لوباء كورونا هي التي تلقي بظلالها على البشرية، حيث أصابها الفايروس بصدمة كهربائية نفسية دامية، دفعتها إلى كسر «الثقة» والطمأنينة الواثقة إلى حالة اللا يقين خصوصاً أن الأزمة كشفت الخلل في إعطاء الأولوية لرأس المال على حساب الإنسان وضحت بالوقاية وحماية الإنسان من أجل القوة والتنافس.. وكون فايروس كورونا ترك آثاراً على العلاقات الدولية وهز موازين القوى بشكل أكبر من الحروب والتي تنذر بحدوث متغيرات جذرية في جسد العالم وعكس هشاشة النظام العالمي، حتى أن العالم بدا ليس حقيقةً، بل ثقافة خرسانية صنعتها القوى العالمية.. في هذه الظروف الصعبة، علينا التحلّي بالأمل، وإدارة أزمة اللا يقين والخوف والهلع بحنكة وصبر وحكمة وبإرادة وتصميم، للتغلب على مشاعر الوحدة، والعزلة والتعايش مع عدم اليقين، خصوصاً أن ديننا الإسلامي غرس فينا التفاؤل وحسن الظن واليقين بما كتبه الله علينا.. في ذروة الوباء المعولم.. هل نحن في زمن «اللا يقين»..؟! ما زلنا ننتظر الإجابة. كاتب سعودي falhamid2@