تمثل تجربة الصحفي المخضرم قينان الغامدي في صحيفة «عكاظ» رواية لم تكتمل بحكم أن كل مناسبة أو مهاتفة مع «أبو عبدالله» تفتح نافذة لحديث ذكريات شيّق. وبرغم أنه باح ببعض مكنون صدره لصحف وقنوات وعلى منابر ثقافية وأدبية، إلا أنه ببلوغ «عكاظ» ال60 سرد علينا ما لم يقله من قبل عن علاقته بمعشوقته ومدرسته الأولى، كما وصفها. عزا رؤساء التحرير قينان (كما يطلق عليه شركاء مهنة المتاعب) الفضل في الارتباط ب«عكاظ» إلى ترؤسه الرابطة الطلابية في كلية المعلمين بالطائف، وكان دارساً بها في دورة تربوية تكميلية عام 1402ه، فاختاره زملاؤه رئيساً لتحرير مجلة الرابطة الأسبوعية. ولفت «أبو عبدالله» نظر زميليه محمد قاري السيد وأحمد الزهراني بمهارته في التبويب والإخراج وعنايته برسم المجلة والعناوين والمقالات، واقترحا عليه المشاركة معهما مراسلاً لصحيفة «عكاظ» في مكتب الطائف. بدأ قينان الغامدي يسجل حضوره ويمد أنغام الوصل بينه وبين القراء بالتحقيقات والمواد الثقافية، وبحكم التخصص في اللغة العربية راقت لغته لذائقة الراحل الدكتور بدر كريم، وكان نائباً لرئيس التحرير، فأصدر قرار تعيينه محرراً متعاوناً «كانت أطول ليلة رمضانية تمر بها تلك التي أنتظر فيها عقب صلاة التراويح نتائج اجتماع مطول في محافظة الطائف لوزير البترول أحمد زكي يماني، ووزير الصناعة الدكتور غازي القصيبي، وأمناء 3 مدن، الرياضوجدة ومكة». ومع خروجهم تلقاهم بمسجله ليسأل ماذا تم في الاجتماع؟ فأجابه الوزير بلطف: «هذا الاجتماع لا يهم الصحافة»، ولما ألحّ قينان على الوزير، سأله يماني: «من أين أنت؟» فأخبره أنه من «عكاظ»، فقال الوزير، فيما ظنها قينان مجاملة: «سأعطيك خبراً أفضل من خبر الاجتماع»، ومضى يصرّح بالخبر: «سنجتمع في جنيف، نحن وزراء البترول في أوبك، بعد كذا، وسنرفع سقف الإنتاج إلى كذا، والمملكة ستتحمل فارق الإنتاج»، فأخذ التصريح وذهب لتناول السحور والنوم. أكد «أبو عبدالله» أنه لم يدرك قيمة المعلومة التي صرح بها الدكتور يماني، وفي اليوم التالي ذهب للمكتب ليفرّغ التصريح ويبعثه خبراً عادياً، ليتفاجأ باتصال الدكتور هاشم يسأله: «هل الخبر المرسل موثق بالتسجيل؟» فأجابه: بالطبع، وفتح التسجيل ليسمعه، وفي اليوم الثاني نُشر الخبر على 8 أعمدة في الصفحة الأولى، وظهر اسم قينان، في أول سبق صحفي له. تم تكليفه بتغطية انتخابات البرلمان اليمني عام 1406، وقضى في صنعاء 10 أيام حل خلالها إشكالات في مكتب صنعاء، وعاد بحوارات ومبالغ قيمة إعلانات، وعاد إلى جدة ليعرض عليه الدكتور هاشم إدارة مكتب الطائف، فسأله: وسعد الثوعي، فقال: سعد يريد الاكتفاء بصفحته الأسبوعية. وسجل مكتب الطائف خلال 8 أشهر نجاحات دفعت رئيس التحرير إلى مشاورة قينان (تروح الرياض أو تجي جدة)، كانت جدة أقرب فانتقل معلماً في مدرسة أهلية بتنسيق مع مدير التعليم الدكتور عبدالله الزيد، ولم يكمل الشهر حتى تم تكليفه برئاسة بعثة الحج. ويرى أن «عكاظ» تميزت بالمانشيتات في الأولى إثر تصريح من وزير الدفاع الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وحوار مع الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز، وتصريح من وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، تزامناً مع إشكالات وشغب تسبب فيه حجاج إيرانيون. عاد من الحج ليتولى مهمة سكرتير التحرير للشؤون المحلية، ثم مدير تحرير الأقسام المتخصصة إثر الأزمة الصحية لسباعي عثمان (رحمه الله)، وكان إياد مدني مدير عام المؤسسة فكتب له خطاباً ليسلمه وزير المعارف الدكتور عبدالعزيز الخويطر ليوافق على إعارة قينان ل«عكاظ»، فظن أن الخويطر سيوافق كونه يكتب مقالاً أسبوعياً ويتواصل معه هاتفياً، ولكن الخويطر رد عليه: «إذا كنت سأوافق لك فيجب أن أوافق ل80 ألف معلم»، فعاد لجدة وقدم استقالته وتفرغ للصحيفة، ليظهر اسمه في الترويسة مدير تحرير إلى جانب علي مدهش وأيمن حبيب. ويذكر «أبو عبدالله» «عكاظ» بالخير كونها منحته فرصة ممارسة العمل الصحفي بكل مهنية على يد الدكتور هاشم عبده هاشم ونائبه علي مدهش، وسباعي عثمان، ومصطفى إدريس ولفيف من أساتذة سعوديين وعرب يكن لهم كل تقدير واحترام. ترقى «أبو عبدالله» لنائب رئيس تحرير وواصل العمل بعشق، ليتم تكليفه بإدارة مكتب الرياض الإقليمي. ولا ينسى أنه أوقف عن الكتابة مرتين؛ مرة بسبب مقالة لمدة 4 أشهر، ومرة عن خطأ صياغة في مادة عن توسعة الحرمين الشريفين. يؤكد «أبو عبدالله» أنه يحمل ل«عكاظ» كبير التقدير، ويثق في قدرات رئيس التحرير الزميل جميل الذيابي في الاحتفاظ بقراء «عكاظ»؛ كونه يجيد صناعة المواد والقصص الخاصة، مستعيداً بصمته الخالدة في صحيفة الحياة، متطلعاً لإنجاز مشروع التحول الرقمي بتضافر جهود الفريق العكاظي، وتوفير التمويل المالي اللازم لمواكبة معطيات العصر ومجابهة التحديات المكلفة.