حتى أعوام قليلة ماضية فقط، من يتخيل أن المملكة ستصبح بهذه الرشاقة في الحركة والقدرة على إحداث التغيير وتجديد نفسها؟ كيف تمكنت المملكة من حرق الكثير من المراحل في صناعة التغيير لتختصر بذلك سنوات طويلة كنا نعتقد أنه قد يكون من المستحيل أو المعجزة إحداثها بهذه السرعة؟ من الذي أخفى هذا التذييل الشهير في الصحافة الغربية عن معظم أخبارها عندما تكتب عن السعودية «يذكر أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض حظرا على قيادة المرأة للسيارة»؟ أين الأوصاف الشهيرة للصحافة الأجنبية عندما تتحدث عن مستقبل المملكة فتصفها ب«المملكة المترهلة» و«ثقيلة الحركة نحو المستقبل»؟ إنه «محمد بن سلمان».. الاسم الذي انتقل من دلالته المعجمية إلى المعنى السياقي الواسع بطموحاته ومنجزاته. الاسم الذي ألهم شعوب المنطقة ماذا يعني البناء، التنمية، القضاء على الفساد، التجديد في مفاصل الدولة، واستئصال الأورام الخبيثة في جسدها من بيروقراطية وفساد ومحسوبية وكسل عن العمل والإبداع والتجديد. هتف له المولعون بالتغيير في العواصم العربية لينادوا باسمه كرمز للتغيير في العراق، وفي لبنان هتفوا «بدنا محمد بن سلمان». وقبل أعوام قليلة، كان العمل في أغلب الأجهزة الحكومية بمثابة إجازة مدفوعة الراتب حيث لا عمل حقيقياً ينجز ولا فائدة تذكر، فهي مجرد بنايات ديكورية يحج إليها الموظفون في الصباح ويخرجون بعد الظهر. اليوم تجاوزت الأجهزة الحكومية القطاعَ الخاص في المهنية والرشاقة في العمل والتجديد، بل بات المُتطلعون إلى الوظائف اليوم ممن يرغبون بضغط عمل أقل، يولون وجوههم نحو القطاع الخاص، وعلى الاتجاه الآخر بات القطاع الخاص -في تحول غير مسبوق- ينظر إلى المورد البشري في الجهاز الحكومي هدفاً يستحق الاستقطاب والاستفادة منه. كل هذا لم يكن محض الصدفة، بل كان حلم وطن يحاول أن يرتقي لتطلعات قائد لا يحد طموحه سوى عنان السماء. وحتى بضعة أعوام قليلة ماضية، كان السعودي يعيش فيما يشبه أتون صراع بحثاً عن هويته. ما قام به محمد بن سلمان خلال هذه الأعوام هو إعادة ضبط كامل لإنسان هذه الأرض، إيماناً منه بأن مشروعه الطموح يحققه شعب ذو هوية معتدة بنفسها واثقة من قدراتها، فما كان إلا أن تحوّل هذا الشعور الوطني الضخم إلى وقود يدفع عجلةً لا تتوقف على طريق البناء والتنمية. لقد كان كابوساً لكارهي هذا الوطن، من أولئك الذين آخر شيء يريدون رؤيته هو أن تنفض المملكة الغبار عن نفسها وتنطلق نحو المستقبل، وإلى حيث يجب أن تكون في موقعها بين الكبار، فحتى إذا ما استمرت في وثباتها نحو المستقبل، كان ذلك حسرة عليهم، وكأنهم يتجرعون مرارة العلقم أو أشد. وختاماً، حلم محمد بن سلمان لم يكن حلماً خاصاً بالسعوديين، بل هو حلم ممهور بالكرم والعطاء الذي عهده العالم عن هذا الوطن، فهو مشروع هائل في التنمية والتطوير، متجاوزٌ في خيراته، ممتدٌ ليشمل بثمراته هذه المنطقة العربية التي أرهقها التخلف والتراجع والانهيار، وليتحول بذلك الشرق الأوسط –كما قال الأمير- إلى أوروبا جديدة. * كاتب سعودي alshakri@