في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها العالم جرّاء جائحة فيروس كورونا، والتداعيات الخطيرة التي أحدثها على كافة المستويات، الصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، بما ترتّب على ذلك من اختلالات في منظومات التنمية، ومقاييس النمو الاقتصادي، الأمر الذي أفضى إلى ما يشبه الركود في أقوى وأمتن النظم الاقتصادية العالمية. في ظل هذا المناخ المنذر بكوارث متوقعة في منظومة التجارة العالمية، بما سيلقي بظلاله على ميزانيات الدول، ويربك برامجها وخططها التنموية والاقتصادية، ضربت المملكة العربية السعودية، مثلاً رائعاً في مواجهة هذه الظروف، بتقديرات اقتصادية وازنت بين التغييرات الحاصلة والمحتملة وحتمية إشاعة الأمان الاقتصادي لدى المواطن، بحزمة قرارات ومعالجات تستطيع أن تتعامل جيداً مع الأزمة في الحاضر والمستقبل. وهي أقصى ما يمكن تقديمه في ظل الظروف الراهنة، بما انطوت عليه من دعم لكافة القطاعات بما يبقي نشاطها التجاري والصناعي والإنتاجي حاضراً، يرفد الاقتصاد السعودي بمخرجاته، ويساعده على تجاوز هذه المرحلة بكل اقتدار وحنكة ووعي، مثبتة للعالم أجمع قوة ومتانة الاقتصاد السعودي. وتأكيداً على حسن تقدير قيادتنا الرشيدة ووعيها المبكر للظروف الاقتصادية الحالية، وبُعد نظرها الثاقب في ترتيب الأولويات، جاء دعمها للقطاع الصحي، بوصفه خط المواجهة الأول في مواجهة وباء كورونا، حيث تم رصد مبلغ 177 مليار ريال لتعزيز هذا القطاع، الذي أثبت فاعلية كبيرة في مواجهة هذه الجائحة.. وثمرة هذا التعزيز تجلت في استمرار المشروعات الصحية المختلفة، ودعم الأبحاث العلمية لاكتشاف علاج ولقاح يقي من شر هذا الوباء المخيف. ولمّا كانت مؤسسة الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث من المثابات الصحية التخصصية المميزة في خدماتها التي تجلت في مجال زراعات الأعضاء والنخاع العظمي وعلاج الأمراض المستعصية، وأحد خطوط المواجهة في جائحة كورونا. ولسابق دورها المعروف في الخدمات الصحية التخصصية، ظلت المؤسسة تحظى بالرعاية الكريمة من قيادتنا الرشيدة، بما مكنها من إنجاز العديد من مشروعاتها الحيوية، والتوسعية ولعل آخرها مطالبة مجلس الشورى بسرعة تأسيس وتشغيل التوسعة الجديدة لتخصصي جدة بسعة ألف ومائتين وأربعين سريرا كمرحلة أولية. هذا المشروع العملاق هو محل اهتمام القيادة الحكيمة الذي دعمته حتى استوى قائما معلماً صحياً بأبراجه التسعة يحكي قصة تطور الإنسان والمكان. وكما حدث الأسبوع الفارط البدء التشغيلي لمعلم من معالم الخير والعطاء تخصصي المدينةالمنورة كفرع لمؤسسة الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، لينضم إلى المنظومة الفاعلة لفروع المؤسسة في مملكتنا الحبيبة.. ومن نافلة القول إن احتضان المدينة المنوّرة لهذا الفرع جاء وفق تقديرات وحسابات دقيقة، آخذة في الاعتبار مكانة طيبة الطيبة الدينية والروحية، والكثافة السكانية وعملية التطور والبناء، وحاجة المنطقة إلى مستشفى يعالج المستعصي من الأمراض ليأتي تشغيله في التوقيت الأمثل بدعم كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين محمد الخير، ليكون تخصصي المدينة خط مواجهة قوياً وفعالاً يعمل على التصدي لكل الحالات العلاجية التخصصية المستعصية للمواطن دون الاضطرار للسفر إلى تخصصي الرياض أو جدة ومواجهة أي جائحة مستقبلية لا سمح الله ضمن المنظومة الصحية في منطقة المدينةالمنورة. في كلمة الدكتور نزار خليفة مدير عام المستشفى الترحيبية بوصول فريق العمل المتخصص للعمل في المستشفى لينضم إلى عقد الرعاية الصحية التخصصية في المملكة أشاد بالدعم الكبير لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين، وأن هذه البداية الأساس للانطلاق نحو تحقيق طموحات القيادة للاهتمام بالإنسان وصحته، معبراً عن شكره وتقديره لأمير منطقة المدينةالمنورة الأمير فيصل بن سلمان الذي ساند ودعم هذا الصرح الطبي التخصصي الكبير، حتى ارتفعت شواهده عالياً تخفق في سماء طيبة الطيبة، لتعلن أن الإنسان يأتي أولاً وقبل كل شيء. إن تشغيل هذا المشروع الصحي والحيوي في ظل هذه الظروف، يمثل رسالة مهمة يتجاوز وقعها وصداها المحيط المحلي والإقليمي إلى العالمي، مفادها أن اقتصاد السعودية من المتانة بمكان، بحيث ينجز مشاريعه الحيوية، رغم ما يشهده العالم، والمملكة جزء منه، من هزة لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، وهنا يأتي حسن التدبير، بتنفيذ المشروعات ذات الأولوية والحاجة الماسة، ولا شك أن المشروعات الصحية تمثل حجر الزاوية إذا ما أخذنا في الاعتبار المتغيرات الآنية.. هنيئاً لمنطقة المدينة المنوّرة بهذا الصرح التخصصي والذي ما كان له أن يرى النور لولا ما توليه قيادتنا الرشيدة من اهتمام بمؤسسة الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، كما أن لإدارة هذا الصرح بقيادة ربانه الخلوق معالي الدكتور ماجد بن إبراهيم الفياض الدور الملحوظ في سرعة إنجاز المشروعات، وانتظام المستشفى في حركة نشطة لتحقيق كل مستهدفاته الكبيرة الآنية والمستقبلية بإذن الله، ومن المؤكد أن فرع تخصصي المدينة ليس هو آخر المشوار في تاريخ هذه المؤسسة الفتية. * كاتب سعودي [email protected]