المؤشرات القادمة من كل دول المنطقة تضعنا أمام فرصة للتنبؤات حيال مستقبل الأنظمة بعد الانتهاء من مواجهة فيروس كورونا. الدول التي ستنجح وتتعامل بكل وضوح مع الجائحة وستعبر بكل اقتدار ستكون الدول النموذج والأكثر محورية في مستقبل المنطقة بل وفي مستقبل العالم، والعكس كذلك، فالدول التي تشهد تراجعا يوميا في مستوى إدارة الأزمة قد لا تستطيع أنظمتها الصمود مستقبلا وربما تشهد تغيرات سياسية قد تطيح ببعض الأنظمة بضغط من الداخل وبدعم من الخارج، القاعدة اليوم أن كل نظام يتراخى في التعامل مع أزمة كورونا (كوفيد المستجد) هو نظام يمثل خطرا على بلاده وعلى منطقته وعلى العالم وسوف يتكاتف الجميع للتخلص منه. يتابع العالم اليوم الأداء الإيراني البدائي في مواجهة الأزمة وتحيط الشكوك بكل الأرقام والإحصائيات التي يعلنها النظام وتتحدث مصادر دولية عن ان أعداد الضحايا والمصابين يفوق بأضعاف تلك الأرقام التي تعلنها السلطات هناك. وقف إطلاق النار في اليمن الذي أعلنه تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية - رغم الخروقات اليومية من قبل مليشيا الحوثي الإيرانية - وموافقة الرئيس الأمريكي على إرسال مساعدات طبية لإيران وحتى المساعدات الطبية التي أرسلتها الإمارات إلى إيران.. كل هذه لا تعني أية تغييرات في المواقف السياسية بل هي استشعار لواقع وصعوبة الأزمة وأهمية بذل كل الجهود لمواجهتها والتخفيف من آثارها. لكن هذا المستوى من الوعي لم ينعكس إلى الآن على أداء أنظمة مثل النظام الإيراني والنظام التركي. لماذا ؟ الدولة في إيران ليست دولة وطنية، والنظام الإيراني عبارة عن تكتل أيديولوجي عقائدي وهو نظام مستجد جدا لا يتجاوز عمره أربعة عقود، ولا يختلف عن القاعدة وداعش سوى بكونه عضوا في الأممالمتحدة ولديه عملة وعلم ولكنه في تركيبته الداخلية لا يمت للواقع المدني الحالي بأية صلة. انطلاقا من كل ذلك سجلت وتسجل إيران أسوا أداء في التعامل مع الأزمة وباتت البؤرة الأنشط للوباء في الشرق الأوسط. تفاجأت الأنظمة العقائدية والشمولية بأزمة كورونا، لقد أخرجت الأزمة تلك الأنظمة من حساباتها الأيديولوجية الإقليمية إلى حسابات جديدة لا تمتلك أية أدوات لمواجهتها سوى الإنكار أو إخفاء الحقائق أو محاولة إقناع الشارع أنها مؤامرة خارجية كما هو الحال في ردة الفعل الإيرانية على مدى الأسابيع الأولى لتفشي الوباء في البلاد. يمثل النظام التركي نموذجا آخر في المنطقة في سوء إدارة الأزمة، الأرقام الرسمية هناك تتحدث عن قرابة المائة ألف إصابة وسط تشكيك داخلي ودولي يتهم السلطات بالتكتم على الأرقام الفعلية، وبينما النظام يوجه كثيرا من مقدرات البلاد لمعاركه وخططه التوسعية في الخارج، والتي تواجه جميعها فشلا واسعا يشير مراقبون إلى أن وباء كورونا سيمثل امتحانا حقيقيا للنظام في الداخل بعد أن استغل النظام الأعوام الماضية في تثبيت حكمه بالقبضة الأمنية والاتهام بالعمالة والتخابر مع الأجانب واستطاع تعديل الدستور والزج بعشرات الآلاف من المعارضين داخل السجون، لكن كل تلك الإجراءات لا يمكن استخدامها في مواجهة وباء كورونا مما يعني دخول النظام في مواجهة مع الداخل في حال استمر تفشي الفيروس واستمر النظام منشغلا بمعاركه في سوريا وبإرسال المرتزقة للقتال في ليبا وفي اللعب بورقة المهاجرين لابتزاز أوروبا. وفي الغالب لن يصمد النظام التركي وقد يتعرض الحزب الحاكم إلى هزة قوية ربما تؤثر على وضعه الحالي وتخرجه من الرئاسة وقد تغير مستقبله السياسي. ويحاول النظام الإيراني الذي تخنقه العقوبات الأمريكية والغضب الشعبي الذي يتنامى باستمرار، الاستفادة من جائحة كورونا الذي تسبب في تراجع المظاهرات ضده وضد الجماعات والأحزاب التابعة له في العراقولبنان، ويحاول أيضا توظيف إجراءات الحجز المنزلي لإعادة بسط قبضته الأمنية لكن كل ذلك لن يجدي نفعا، فالحالة التي وصل اليها النظام جعلته منهكا للغاية وقد يسهم تفشي الوباء في إسقاطه بالكامل. يتابع الإيرانيون اليوم الإجراءات المتخذة في مختلف بلدان العالم ويرون الأداء السلبي للنظام في مواجهة الفيروس، ويدركون أن المليارات التي صرفت للمليشيات المسلحة في لبنان واليمن وسورياوالعراق كانت كفيلة أن تسهم في مواجهة الوباء، لكنهم باتوا على يقين أن النظام الإيراني مشروعه في الخارج وليس في الداخل وأن التنمية وحفظ الإنسان وبناء المستقبل ليست من أولوياته على الإطلاق. * كاتب سعودي yahyaalameer@