الأسبوع الماضي اعترضت السلطات التشيكية شحنة ضخمة من المساعدات الطبية التي أرسلتها الصين إلى إيطاليا، واستولت عليها لنفسها في حادثة «حنشلة» غريبة على العالم الحديث. و «الحنشلة» -لمن لا يعرفها- مفردة عامية قديمة وشهيرة جداً في الجزيرة العربية ترمز إلى عملية قطع الطرق على القوافل؛ بهدف نهبها، إذ كان يوصف قطَّاع الطرق بأنهم «حنشل». التشيك التي حنشلت «المساعدات» دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، كما هي إيطاليا التي عبثت بها جائحة كورونا حتى باتت بحاجة لمساندة دولية تخفف عنها عبء هذه المأساة التاريخية، لكن الواضح أن الاتحاد الأوروبي بات صرحاً خيالياً في زمن كورونا؛ لأن النجاة في الواقع أهم بكثير من الاتفاقيات السياسية والقيم الحضارية المشتركة. ما فعلته التشيك كررته ألمانيا التي استولت على شحنتين ضخمتين من المساعدات الطبية الصينية المتوجهة لإيطاليا تحوي نحو 680 ألف قناع طبي، وتبعت ذلك بالاستيلاء على شحنة سويسرية تحوي 240 ألف قناع طبي، ولأن الألمان أهل دهاء ومراوغة فقد برروا فعلتهم بأن الأنظمة الألمانية تمنع تصدير المعدات الطبية.. أي أن المسألة أصبحت «حنشلة» وفق الضوابط القانونية. أما أغرب حادثة حنشلة مارسها الأوروبيون للاستيلاء على الشحنات الطبية في ظل جائحة كورونا فقد وقعت في البحر المتوسط، إذ أعلن أمس الأول وزير التجارة التونسي محمد المسيليني، أنّ باخرة كانت قادمة إلى تونس محمّلة بكحول طبيّة سُرقت في البحر من طرف إيطاليين، مضيفاً خلال ظهوره في برنامج «تونس اليوم» على قناة الحوار التونسي، أنّ ما حدث لهذه الباخرة شبيه بسرقة التشيك لشحنة كمامات أرسلتها الصين إلى إيطاليا للمساعدة في مكافحة فايروس كورونا المستجد. وأشار وزير التجارة التونسي إلى أن «كلّ الدول الأوروبية تعيش اليوم حالة من الهستيريا وجميعها تسرق المعدّات خوفا من هذا الفايروس». من كان يصدق أن هذه الممارسات الهمجية البدائية التي تخجل من الوقوع فيها دول العالم العاشر ستصبح عنواناً للشعوب والحكومات الأوروبية في عام 2020؟ ومن كان يصدق أن الدول التي تتشدق وتزايد على العالم بحقوق الإنسان ستصل لهذا المستوى من اللصوصية وانتهاك حقوق بعضها؟! الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش قال في خطاب صريح لشعبه قبل أيام: «التضامن الأوروبي غير موجود، كان كل هذا قصة خرافية على الورق.. إن البلد الوحيد الصديق فعلاً هو الصين المستعدة لمساعدة صربيا، بينما رئيسة المفوضية الأوروبية أعلنت أنه غير مسموح لنا باستيراد المعدات الطبية من الاتحاد الأوروبي، وتقول إنه ليس هناك ما يكفي لهم». الأكيد أن دول أوروبا بعد جائحة كورونا مختلفة تماماً عما قبلها، أما الاتحاد الأوروبي فقد تهاوى عملياً في هذه الأزمة وتبين أنه بالفعل مجرد قصة خرافية على ورق. * كاتب سعودي Hani_DH@