بقدر ما شكل فايروس كورونا الجديد امتحاناً للعلم وتحدياً لكل ما وصلته التطورات البحثية الطبية، فإنه بنفس الأهمية وربما أكثر، أصبح اختباراً أخلاقياً عملياً للأنظمة السياسية بمختلف مرجعياتها ونظرياتها وتركيبتها وشعاراتها ولافتاتها التي تسوقها على الشعوب، فهي المرة الأولى التي تتعرض فيها جميع الأنظمة لامتحان موحد محوره الإنسان وقيمته لديها. إلى الآن تعرض أكثر من 160 نظاماً صحياً في العالم إلى هذا الامتحان الحقيقي الصعب، والنظام الصحي هو وجه من وجوه أي نظام سياسي، وفي هذا الوقت هو الوجه الأبرز والأهم. كل أشكال الأنظمة على طاولة الامتحان، الملكي والجمهوري، الرئاسي والبرلماني، الرأسمالي والاشتراكي، الديموقراطي والشمولي، كل هذه التسميات والأوصاف لم تعد لها قيمة الآن بقدر ما هو طبيعة أنظمتها الصحية، لأن الناس لا تهتم الآن إلا بسؤال واحد فقط، ماذا قدمت وماذا ستقدم الأنظمة الصحية للإنسان في هذه الجائحة التي تهدد البشر. هذا الفايروس الدقيق العابر للقارات استطاع تغيير المعادلات المعتادة، فالناس لا تريد الآن أن تتباهى دولها بديموقراطية أو مشاركة شعبية أو انتخابات حرة أو شعارات أخرى مشابهة، إنها تريد نظاماً صحياً يحترم كرامة الحياة وحق الإنسان في تلقي أفضل عناية صحية أمام الوباء الكاسح. أنظمة سياسية كثيرة تدعي أن المواطن/ الإنسان هو محور اهتمامها لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في امتحان كورونا عندما تركته يواجه مصيره وحيداً بأقل عناية صحية، بل إن دولاً حولت الكتل البشرية إلى قطعان عليها مواجهة الداء بمناعتها الذاتية وليس بمناعة أنظمة صحية كفؤة. القارة العجوز بتأريخها العريق وأنظمتها الديموقراطية الراسخة وإمكاناتها الكبيرة وقفت عاجزة بشكل مخجل، وتساقط مواطنوها كالذباب بالآلاف خلال فترة قصيرة، بينما نظام سياسي أقرب إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو الشمولية المذمومة من الغرب، أي الصين، نجحت نجاحاً باهراً في تسجيل قيمة عليا للإنسان بتقديم رعاية صحية غير مسبوقة في تأريخ كوارث الأوبئة، ودول حديثة النهضة والتطور كالمملكة التي واجهت انتقادات كثيرة أصبحت مرجعية لبعض الدول التي سبقتها بقرون في إنشاء أنظمة الدولة ومنها النظام الصحي والخبرة في إدارة الأزمات. لقد فضح فايروس كورونا كثيراً من الأنظمة وأزال كثيراً من الأقنعة وكشف كثيراً من المغالطات التي كانت تمررها الأنظمة على شعوبها. * كاتب سعودي [email protected]