المقصود بالبكش هو الكذب، والخداع. ولو لم يكن مردود البكش مجدياً، لما مارسه البشر حول العالم بقوة. بل وحتى العديد من المخلوقات تمارسه بمستويات مختلفة من «الفراخة». من الفئران، والوزغ، والعراري، وملايين المخلوقات الصغيرة والكبيرة. واخترت لكم إحدى الأمثلة المميزة من عالم البشر، وتحديداً في استراتيجيات الحرب. في عام 1917 كانت معارك الحرب العالمية الأولى في قمة ضراوتها في أوروبا. وكانت الحرب دائرة في فلسطين أيضاً بين قوات الإنجليز والقوات العثمانية التي كانت مسيطرة على معظم الأراضي. وحاولت الحكومة البريطانية أن تؤمن الاستيلاء على القدس الشريف قبل عيد الميلاد، وتطلب ذلك اجتياح غزة التي كانت تحتوي على أكبر حشد من القوات العثمانية. ولم تفلح القوات الإنجليزية في مسعاها وفقدت العديد من قواتها في هجومها المباشر المتكرر. وتم اقتراح خطة لمفاجأة العثمانيين والهجوم على قواتهم من الشرق من جهة «بئر السبع» في صحراء النقب. ولم يكن ذلك متوقعاً لأن الطريق الأقصر والأسهل للقوات الإنجليزية كان من الجنوب عبر طريق ساحل البحر الأبيض المتوسط. وهنا اقترح أحد الضباط الإنجليز من ذوي الأصول الألمانية واسمه «مينتز هاجن» على وزن «فولكس واجن» تمثيلية مشبعة بالبكش ومفادها أن يتم «ضياع» أحد الضباط الإنجليز في الصحراء ليواجه قوات الأتراك بالغلط، وطبعاً سيطلقون عليه النار. وكانت الخطة أن يمثل وكأنه أصيب إصابة بالغة أثناء هروبه، ثم يسقط من ناقته حقيبة مليئة بالأوراق العسكرية وأهمها تؤكد أن خطة الإنجليز القادمة ستكون الهجوم المباشر من الجنوب على غزة. واحتوت الحقيبة أيضاً على خطابات غرامية وهمية من زوجة الضابط، ومجموعة من العملات المعدنية والورقية، والغذاء، والماء. وتم تلطيخ محتويات الحقيبة بالدماء لإضافة لمسات درامية. «يعني.. يعني» أن هناك إصابة مميتة. الشاهد أن القوات العثمانية شربت المقلب. كان للحقيبة أثرها ورفعت حالة التأهب للهجوم الإنجليزي من الجنوب. ولكن الهجوم الحقيقي جاء من الشرق وتسبب في تقهقر القوات التركية، فانتصرت القوات الإنجليزية ودخلوا غزة. وكانت هذه المعركة في أكتوبر 1917 من النقاط الفاصلة في تاريخ فلسطين الغالية، لأنها كانت منصة مهمة لدخول الإنجليز إلى القدس بعدها بستة أسابيع. وللعلم تم إطلاق اسم «هافرساك رووز» Haversack Ruse ومعناها «خدعة الحقيبة» وهي من أشهر عمليات البكش العسكري.. والهافرساك هي الحقيبة المحمولة على ظهور الجنود. وقد تم تقليد هذا البكش في العديد من العمليات العسكرية التاريخية. ومعلومة أخرى على الماشي: قام الإنجليز في عملية معركة غزة بتوزيع آلاف السجائر المطعمة بالأفيون على القوات العثمانية بطرق خبيثة جداً. تم توزيعها وكأنها سجائر عادية من مصادر تركية. تخيلوا مقدار «السطلنة» استعداداً للمعركة. وبعد انتهاء معركة غزة واحتلال القدس بشهر واحد، جاء البكش الأكبر فصدر وعد بلفور المشؤوم الذي تم به منح من لا يملك لمن لا يستحق.. منح أراضي فلسطين من الحكومة البريطانية إلى الصهاينة. أمنية: كثر علينا البكش بأشكاله وأنواعه المختلفة. أتمنى أن نحرص على التصدي له وعدم نشر كل ما يصلنا، وخصوصاً فيما يتعلق بالأزمة العالمية للكورونا والمهازل التي نراها يومياً من نشر شائعات، ومعلومات مغلوطة. والله يستر، وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي