إلى حضرة جناب المكرم الصديق العزيز جمس بن قنع، أدام الله ظله، تحية طيبة مباركة وبعد، عندما نهضت من سريري الأبيض، مثقلاً بآهات الوجع شاحباً مثل أوراق الخريف، نصحني الزمن بأن أعود إلى زماني، إلى ما كنت أحب. لا شيء مني حولي.. ولا شيء من باقي عبق، الصحب رحلوا إلا القليل، وكنفا حياتي ضيفان عند رحمان كريم. وذات أصيل ألقيت ببصري السلام على ما خلف النافذة لأجدك كما فارقتك قبل نحو ستة أعوام تنتظر! شعرت بي يا صديقي من تحت لحافك الذي دثرتك به قبل الغياب. فرددت عليّ التحية مثل ذاك الذي فرح بضالته فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك، من شدة الفرح! وبلا تردد أخذت أهرول إليك مستعيناً بمن حولي ليخلعوا عنك الرداء، قابلتني ابتسامتك التي صاحبتني نحو أربعة عقود! صديقي ابن قنع هل تذكر ركضنا خلف الأماني وسيرنا في القفار وأنت تصعد بي الجبال وتتسلق التلال، بحثاً عن نقش هنا أو كهف هناك، هل تذكر رفيقتنا «حذام» التي تقترب في العمر منك وهي ترصد لنا الآثار والمغارات وقصور القرى، فأثرت بفضل ركضك أرشيف خليليتي بمئات الصور التي رصدتها عدستها؟ ها أنا اليوم وأنا أرتمي فوق مقعد مقود القيادة لا أرى إلا جثمان أمي وعمتي مسجين في قمرتك الخلفية، تودعان آخر رحلات العمر بشذا ريحان كفنيهما. ويأتي صدى نقاشات الأحبة عند انصرافنا إلى المقهى بعد ندوة عن الحداثة كانت حامية الوطيس. عدت إليك يا صاحبي وعسى أن يكون العود أحمد!