المحاولات ما زالت قائمة في لمس تميز في الأفلام التي تعرض في أقسام عدة في الدورة ال70 من مهرجان برلين السينمائي، الذي جاء هذا العام مخيبا بعض الشيء، ولأجل البحث عن جمال ما، في أفلام تعد هي بداية الإنتاجات السينمائية من كل عام، تأتي لحظة البحث عن موضوع مشترك، مثل شكل المرأة في الأفلام التي تم عرضها، وهنا ستتم الإشارة إلى ثلاثة أفلام اثنان منها في المسابقة الرسمية وواحد في قسم البانوراما. فبعد النجاح الكاسح الذي حققه فيلم باراسايت أصبحت السينما الكورية تحت مجهر النقاد ومحبي السينما، لذلك كان الحضور كبيرا في عرض فيلم من كوريا الجنوبية the women who ran المرأة التي ركضت للمخرج هونج سانجسو، وهو نوع من الأفلام الذي يعتمد على إدارة السيناريو أكثر منه إدارة للغة البصرية التي جاءت بطيئة وغير جاذبة، و الذي أسعفه هو قصر مدته حيث لا يتجاوز الساعة وعشرين دقيقة، أنت ستشاهد بطلة رئيسية تعرفك على ثلاثة نماذج نساء أخريات، لكل منهن حكايتها الخاصة التي تحمل شكلًا من الوحدة واليأس، فالشخصية الرئيسية التي تكرر حكايتها مع كل زيارة تجريها وهي حكاية شكل علاقاتها مع زوجها الذي أقنعها أن لا ضرورة لأن يعيشا سوية طوال الوقت، هي تروي حكايتها حسب منظور زوجها وملامحها تفسر إحباطها وغياب السعادة في حياتها، وأيضا تكرر إعجابها بالمنازل التي تزورها وتتأوه بأمنية ياليتها تملك بيتا، وهنا الإشارة إلى شعورها بعدم الأمان، هي المحور التي تدور حوله حكايات النساء الثلاث الأخريات، فالأولى مطلقة، حزينة، وحيدة، لكنها تعيش في منزل امتلكته من المال الذي حصلت عليه بعد الطلاق، متعتها الاهتمام بالزرع وبقطة تشكل إزعاجا لجيرانها، أما الصديقة الثانية، التي تسكن أيضا في منزل جميل، تعاني من العمر، فهي التي قبلت بعلاقة مع شاب يصغرها بسنين عديدة، في الوقت الذي تؤكد إعجابها بجارها المتزوج، هي نموذج المرأة التي تريد إقناع نفسها أنها ما زالت شابة مرغوبة، ونموذج المرأة الثالثة تمت مقابلتها صدفة في دار سينما على ما يبدو في بادئ الأمر، وعمليًا هي التي تلخص كل حكاية الفيلم بحيث يدرك المشاهد أنها أخذت حبيب الشخصية الرئيسية منها، لكنها هي الأخرى غير سعيدة، مع كل هذا الركض تدرك أن دار السينما هي التي أرادت أن تصل اليها الشخصية الرئيسية في الفيلم لتقابل حبيبها السابق وتواجهه وتقول رأيها فيه بكل هدوء، بشهرته ككاتب بالنسبة لها هو ليس أكثر من رجل يتحدث كثيرا، لينتهي الفيلم وهي تشاهد عرضا سينمائيا للمرة الثانية يتلخص بمشهد للبحر وصوته وهدوئه وكأنها أطفأت نارًا كانت تسيطر عليها. في المقابل و ضمن المسابقة الرسمية أيضا تم عرض الفيلم الألماني حورية قاتلة undine للمخرج كريستيان بتزولد، ومن عنوان الفيلم تدرك أن ثمة حكاية خلف المرئيات تتعلق بفكرة الحورية، وهذا الأمر تم اعتماده في أفلام عدة لهذا العام، بالحديث عن ما وراء الطبيعة وكأن الواقع بات مملًا وأصبحت الحكايات الخيالية هي مصدر الإلهام، فهذا الفيلم الذي يعتبر من الأفلام الجيدة في المسابقة نوعًا، يحكي قصة امرأة تعرضت للخيانة دمرتها حرفيًا، لكنها تسعف نفسها من خلال علاقة مع آخر بدأت من تحطم حوض سمك في مقهى، هذا الشاب الذي يعمل أيضًا في الغوص، سينقلها إلى عالم البحر، ثمة ربط روحاني بينهما، جعل من التصاعد الدرامي في الفيلم يذهب إلى منحى لا يدخل العقل بل يثير السخرية أحيانًا، لكن شكل المرأة في هذا الفيلم كان محاولة للبحث عن اهتمام ما يقدر قيمتها ويعزز ثقتها في نفسها، وكل الحوار الجاري بين الشخصيات هو أشبه بعملها كمرشدة تاريخية بما يخص بناء العقارات، لذلك تدخل في قصص تطور المدن، وأشكال العقار كيف تحول، وهذا هو مربط الحكاية وإسقاطها على عالم في البحر ما زال نقيًا، حتى لو كان الخلاص في قصة خيالية تم تجسيدها بأداء يستحق التقدير. ومن قسم البانوراما، ومن كرواتيا ستكون شاهدا على فيلم (ماريه) Mare الذي كان يستحق أن يكون في المسابقة الرسمية، وهو للمخرجة أندريا شتاكا، ستعيش معنى التخبط في قصة هذا الفيلم، المبني أحداثه على امرأة متزوجة لديها ثلاثة أطفال بينهم مراهق، حياتها عبارة عن إيقاظ الأبناء، ترتيب المنزل، تحضير الطعام، زيارة خاطفة لزميلة عمل سابق، تتمنى تحقيق أمنيات صغيرة مثل شراء ملابس داخلية جديدة أو استخدام الحمام دون إزعاج، في المقابل أفراد العائلة وعلى رأسهم زوجها غير مكترث، حتى وهي تطلب منه أن تعود إلى عملها، ويرفض بدوره بحجة تربية الأبناء، تفاصيل تشبه آلاف النساء من حول العالم، و الحبكة فيها تتلخص بأنها لا تريد أكثر من أن تشعر بأنها ما زالت أنثى، لذلك تستسلم كليًا لشخص غريب قادم من بولندا يشعرها بقليل من الاهتمام ليتحول إلى علاقة بينهما، يراد منها ما يشبه بصرخة على كل من تجاهلها، في هذا المحك يبدأ زوجها بالانتباه، ويسود الصمت في البيت، وحتى صوت أواني المطبخ لأنها باتت تعتمد على الطعام الجاهز، يوجد مشهد هو الذي أيقظها نوعا ما وهي تحضر الطعام لعشيقها، وكأنها تذكرت أنه مر عليها كثيرا لم تحضر الطعام لأبنائها، فتقرر الابتعاد في نفس الوقت الذي تظهر فيه أحداث تجعل الأمور أكثر سلاسة، هي التي تعيش أمام مهبط الطائرات وهي التي لم تركب الطائرة يوما، لذلك مشهد قبل النهاية كان معبرا وهي واقفة أمام ظل زوجها وعشيقها بمشهد أقرب إلى الطائرة وهي تهبط إلى مقرها. فيلم جميل ومتماسك ولديه الكثير ليقوله.