لم تكن السياحة في تركيا ذات جاذبية وانتشار قبيل غزو السينما والدراما التركية التي داهمت العالم العربي وجذبت المشاهد بذكاء لا يُنكر. إنها القوة الناعمة التي روّجت للدعاية التركية حتى وصل الأمر كذلك لترويج الدعاية السياسية التركية المؤدلجة. دون امتلاك أدوات القوة الناعمة في الإعلام والسينما لن نستطيع مواجهة الصورة المسيّسة عنّا عالمياً، وبالذات السلاح الثقيل في هذه القوة وهي السينما. الأمر ليس من باب الترف والترفيه، بل يفترض أن تكون السينما أداةً دفاعية وهجومية استراتيجية فاعلة لبلد مثل المملكة تتعرض لحملات تشويه ممنهجة ممن يمتلكون ذلك السلاح الثقيل الذي لديه القدرة الفاعلة للتغلغل والتوغل في وجدان الشعوب. كل ما سبق يُعتبر بديهياً ومُدركاً ويعرفه الغالبية. ولكن لنأتي إلى مقترح عملي يمكن أن يفتح الذهن أمام شكل من أشكال الإسهام المجتمعي في صناعة السينما ما أمكن، وبالتالي الإسهام في صناعة وتشكيل تلك القوة التي سيكون لها في هذه الحالة داعمٌ اجتماعي راسخ، يمدها بالمخزون البشري الذي لا ينضب، وهو العنصر الأبرز في تلك القوة: القبيلة أو العائلة اليوم غالباً تكرّم أبناءها العسكريين وفي أحايين قليلة يمكن أن تكرم الأكاديميين، ولكن هل حصل أن تم تكريم الفنانين الصاعدين من أبناء تلك القبيلة أو العائلة؟ لا أعتقد أن الأمر يبدو مستحيلاً حين يصل الوعي بأدوات العصر وتعقيداته إلى تلك الشرائح المجتمعية الواسعة. إن تكريم الفنان داخل البيت القبلي أو العائلي من شأنه أن يزيل أهم عقبة أمام الطاقات والإبداعات التي تختزنها تلك الكوادر التي تشكّل الخزان البشري لتلك القوة. لن يكون الأمر مستحيلاً حين يكون هناك وعي بأن مستقبلنا يفترض علينا خوض تلك المعركة وسط هذا العالم المحموم بحمى التنافس على القفز والسيطرة والقوة والتأثير. الخطوة البسيطة جداً في تكريم فنان القبيلة أو العائلة، إلى جانب تكريم المتميزين الآخرين بالطبع، من شأنها تمهيد الأرض نحو إطلاق العنان للطاقات المخبوءة للإسهام في تشكيل قوة ناعمة تعتبر في عالم اليوم سلاحاً بلا قواعد استخدام أو اتفاقيات، إلا قواعد الفن الاحترافي نفسها، والميدان لمن غلب. هذا هو الإسهام الممكن للمحاضن الاجتماعية في دعم هذه القوة الناعمة، ولاحقاً سيأتي دور المؤسسات المعنية التي يمكنها أن تصوغ قواعد العمل داخل تلك المنظومة، وأن تستوعب ثم توجّه تلك الطاقات، وهذا شأن آخر لا يقل وجعاً وهموماً، حيث الكثير من الحديث في هذا الموضوع عن الشللية والممارسات التي لا تنتمي لروح الفن ولا لرسالة الفنان أو المثقف، ولكن هذا حديث آخر يختص بتلك المؤسسات وذلك الوسط. ملاحظة أخيرة: في ما سبق لم أقترح أن يتم تكريم الكاتب (اجتماعياً)، وخصوصاً الكاتب الذي يتجاذب مع نمطية وعي محضنه الاجتماعي، القبلي أو العائلي، برغم أنه رقم مهم جداً في معركة القوة الناعمة، ولكن لأنني أدرك أن المحاضن الاجتماعية قد تتصالح مع الفنان والممثل لكنها لن تتصالح مع ذلك الكاتب (المزعج) إلا بعد أن يرحل عن الحياة، لذا فإن على الكاتب نفسه أن يعي أنه يعمل من أجل تحسين صورة الحياة الطموحة، ولكنه في الحقيقة لن يشاهد في حياته الكثير مما كان يتمناه لتقدّم مجتمعه. حقيقة الكاتب (الحقيقي) أنه يكتب لجيلٍ لم يأتِ بعد.