أن تعتذر يعني أن تؤمن بأنك إنسان كامل الإنسانية، أن تلقي كبرياءك في وادٍ سحيق، أن تعود إلى بئر الحياة الأولى فتغتسل من أوضار الزهو الذي تلبّد به جلدك حتى لم يعد ظفرك يستطيع الوصول إليه. كم نحن بحاجة إلى ثقافة الاعتذار اليوم، لقد ابتعدنا عن ذواتنا كثيراً بارتداء تلك الأقنعة الموهمة من الفردية والغنية بما تمليه علينا أفكارنا وآراؤنا عن آراء الآخرين وأفكارهم، لن تستقر ثقافة الاعتذار حتى نؤمن بأنا مختلفون في العقول والخبرات والأفكار ونحترم ذلك الاختلاف، ولعمري إن دون ذلك خرط القتاد، وكم هي عجيبة اللغة حين تكشف زيفنا وترفع الحجاب عن تلك النزعة الكامنة في نفوسنا لرفض الاختلاف، انظر -إن شئت- في كلمة "مختلف" لن تجد إلا "مُخ تَلِف" في محاولة من اللغة منذ البدء لتعريتنا وتذكيرنا بأننا لا نرى في من يختلف عنا إلا أنه "مخٌ تالف". ثم يا صديقي.. لا أجد من يستحق الاعتذار أكثر منك، فلقد طالت وحدتك بيننا وعشت غريب الوجه واليد واللسان، كمحارب قديم لم يبق عنده إلا أحاديث ماضية يرويها لجلّاس لا يتحدثون لغته، فاقبل اعتذاري حتى أستطيع التنفس من جديد، حتى أشعر بالانعتاق من قيودي، حتى أجد طريقي، مظلمةٌ هي الحياة بدون إشراق وجهك الجميل والطمأنينة التي تبعثها ابتسامتك فينا فنعتذر ونعتذر ونعتذر.