تنذر تصعيدات الرئيس التركي رجب أردوغان ومحاولات التدخل الرعناء في الشأن الليبي بإشعال المنطقة وفتح المجال أمام اتساع رقعة الخلافات والمواجهات بين الفرقاء الليبيين، وفتح الباب على مصراعيه لجر المنطقة إلى المزيد من الفوضى والصراعات على غرار الحالة السورية، وهي مغامرة محفوفة بالمخاطر ولها انعكاسات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي، كما تفتقد هذه التدخلات السافرة إلى المشروعية، وتشكل انتهاكا صارخا لسيادة الأراضي الليبية والميثاق الأممي. من المؤكد أن الانخراط التركي العسكري في ليبيا الداعم لمليشيات تتبع تنظيمات متطرفة وموالية لجماعة الإخوان الإرهابية، لن يحسم الصراع الدائر في الداخل الليبي منذ سقوط نظام القذافي في 2011، ونستشهد في ذلك بالحالة السورية التي ظلت أزماتها تشتعل رغم التحالفات الدولية والإقليمية ودخول القوى العظمى لحسم الصراع، بل إن التدخل التركي المستتر في ليبيا خلال السنوات الأخيرة لم يكن سوى معول هدم، فقد شاركت تركيا في التصدي لعملية «الكرامة» التي أطلقها قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر للقضاء على المليشيات الإرهابية، والهدف من وراء هذا التخريب يأتي ضمنيا في سياق تعطيل اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص، والسعي للاستفادة من التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، والتهام كعكة النفط الليبي، وضمان الحصول على العديد من العقود التجارية في مجال إعادة بناء ليبيا. التدخل التركي السافر من الواضح أن دوافعه محصورة في الأطماع التوسعية، ويفتقد للمشروعية؛ لأن حكومة الوفاق فاقدة لشرعيتها أساسا، فاتفاق الصخيرات عام 2015 اشترط اعتمادها من مجلس النواب الليبي ببنغازي، وهذا لم يحدث إطلاقا، ولا تسطير سلطة الوفاق على أي إقليم ليبي بما في ذلك العاصمة، وعلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يضطلعوا بدورهم في اتخاذ موقف عاجل ضد هذه التدخلات التركية قبل أن تتحول ساحة شمال أفريقيا إلى سورية جديدة ذات انعكاسات مزلزلة على الأمن والسلم العالميين.