في طريقها لتصبح دولة منبوذة، هكذا يمضي النظام التركي قدما في مشاريع توسعية خارجية تزيد من اضطراب موقعه في المنطقة والعالم وتجعل من تركيا دولة مارقة لديها تعريفها الأيديولوجي الضيق للمصالح ولديها رهاناتها السياسية غير الواقعية. ماذا يفعل النظام التركي في ليبيا، بل كيف يمكن تفسير سلوكه ومواقفه العدائية تجاه مصر منذ العام 2012، وكيف أقحم النظام التركي نفسه في رهانات خاسرة ضد مصر والمصريين، وتحول إلى منطقة العداء الحقيقي غير المبرر تجاه بلد بأهمية ومحورية مصر في المنطقة والعالم. فقد النظام التركي توازنه في الإقليم منذ استطاع أن يهيمن على الداخل التركي سياسيا وأمنيا، وبعد أن فشلت مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومثلت أحداث العام 2011 ومشروع الثورات في العالم العربي تحولا كبيرا في سلوك النظام التركي وطموحاته، فتورط في ذلك المشروع إلى حدود قصوى جعلته عرضة للارتدادات السياسية الناجمة عن انهيار وفشل ذلك المشروع. لقد مثل الملف السوري أعظم انكشاف للنظام ولحالة التيه السياسي التي يعيشها والتي لم تسفر عن أية مكاسب أو انتصارات طوال العقد الحالي. تاجر النظام التركي بملفات الحدود والأكراد واللاجئين وجعل من الورقة الإنسانية أداة ضغط وتفاوض، وجعل من حدوده معبرا لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات، وفي النهاية لم تتحقق له أي من طموحاته، بل خرج منهكا وممزقا بين أكثر من ملف، ومثقلا بالكثير من الخسائر السياسية في الإقليم وفي العالم. ينظر العالم اليوم بكثير من الارتياب للنظام التركي، وكثير من دول العالم لا ترى فيه شريكا حقيقيا يمكن الوثوق به أو بناء تحالفات حقيقية معه، فالنظام مرتبك بين أيديولوجيته التي تهيمن على كثير من مواقفه وبين معاركه السياسية في الداخل وبين موجات الارتداد التي يتعرض لها جراء تورطه في كثير من المشاريع التوسعية منذ العام 2011. ما يقوم به النظام اليوم في ليبيا هو أعلى لحظات التورط الخارجي الذي يعكس حالة التيه التي يعيشها النظام والتي لن تجلب سوى مزيد من الخسائر والمواجهات داخل تركيا وخارجها. ينظر العالم اليوم بمزيد من القلق والارتياب للنظام التركي، لكن الجانب الأكثر أهمية أن كثيرا من دول المنطقة وشعوبها باتت ترى في تركيا خصما حقيقيا لها وتعيش انطباعا عاما أن لديها ثأرا لا يمكن نسيانه مع تركيا بفعل ما ألحقته بأمنها واستقرارها من أضرار وبفعل ما باتت تمثله من كونها عامل تهديد حقيقي. مثلما تصنع إيران في اليمن والعراق ولبنان، تصنع تركيا اليوم في ليبيا وفي غيرها. * كاتب سعودي [email protected]