أستاذنُ القراء الأعزاء بفتح شباك هذا العامود وتشغيل شفاط التهوية؛ حفاظاً على صحتهم، قبل أن أشعل سجائر أحرفي الناقدة حول قضية الدخان المغشوش التي قد تعيدنا لأزمة (التتن) في بداياته، عندما كان ينتظر (المتنبكة) في تلك القرية الجنوبية اثنين من المدخنين الشرهين حتى يعودا للديار نهاية الشهر من المدينة، فينقسمون إلى مجموعتين كل واحدة منهما تجلس تحت دريشة تنتظر هي وحظها ما يتبقى من أعقاب «الزقائر»، حتى نشب الخلاف بينهما حول الأماكن، حيث كان أحد المدخنين نهماً حتى الأسفنجة ما تسلم منه، بينما يبقي الآخر نصف السيجارة لأولئك الشباب الذين يسمع زفراتهم تحت الدريشة! الإجماع على ضرر التدخين يؤكده حتى المدخن نفسه، وهو «يَكُنّ» سجارته وينفثها عالياً، كما أن الإجماع على عواقب تعكير مزاج المدخنين يقره حتى أكثر المتنطعين محاربة له؛ لهذا يجب أن نمسك السيجارة من النص، كي لا تتفاقم هذه الأزمة فتنعكس سلباً على زيادة حالات العنف الأسري والمضاربة الجماعية. لا يعني أن الدخان آفة خطرة أن يسمح بالغش في مكوناته، بل العكس يجب أن تكون الاحتياطات مضاعفة تجاهه؛ كون الخطأ فيه يعني السقوط المبكر من حافة الحياة؛ لهذا أكدت (المادة السادسة) من نظام مكافحة التدخين بأن لا يفسح للتبغ ومشتقاته بشكل نهائي إلا بعد تحليل عينات منه بالمختبرات للتأكد من مطابقتها للمواصفات بالتنسيق مع وزارة الصحة، وعلى الرغم من إصدار الهيئة العامة للغذاء والدواء بياناً أكدت فيه مطابقة الدخان الجديد للمواصفات المعتمدة وخلوة من المواد المغشوشة، إلا أن الحكم النهائي على جودة الدخان أو رداءته سيكون مطبوعاً بكل تجلي على ملامح ذلك المدخن العتيق الذي لا يعدل مزاجه أي ماركة أخرى مهما كانت جودتها فكيف بلفافه رديئة مليئة بنشارة الخشب؟! فرضية وجود حرب اقتصادية من قبل الشركات المصنعة بعد اشتراط اللائحة توحيد المنتجات بالبكت الأسود يظل احتمالاً قائماً يرجح تلاعبهم بمكونات المنتج الذي سيتفرق نكوتينه بين قبائل التتن، علماً أن إخفاء الماركة وتاريخ الإنتاج ونسبة القطران من على غلاف البكت يمكن أن يتم تكييفه ضمن (الغش التجاري)، ومن جهتى لا أرى أبداً أي مردود إيجابي للمساعدة على الإقلاع عن الدخان حتى لو وضعوا السجاير ببكت يشبه التابوت وكتب على متنه اسم المدخن والتاريخ الطبي المتوقع لوفاته لأن إجابته لن تخرج عن (ماتوا ناس قبلنا ما قد شربوا سجارة واحدة)! ربما تحتاج الجهة المختصة إلى تغيير تكتيكها التوعوي بمضار التدخين من خلال التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لترتيب زيارات دورية إلزامية لعيادات الباطنية، كلما تقاطعت مصلحة المدخن مع مصالحة بالجهات الحكومية، ففي تلك العيادات حالات اغترت بصحتها حتى انتهى بها الدخان إلى عدم جدوى القسطرة وباتوا لا ينامون الليل خوفاً من عملية القلب المفتوح، ومن المهم التدرج في استمالة المدخنين واختيار الوقت المناسب لأنه لا يوجد أعند منهم، ولا يوجد في الوقت نفسه أجمل من خواطرهم وتعليقاتهم متى كان المزاج رائقاً، وقد يقبلون في نهاية المطاف كما حدث بختام قصتنا بالجلوس جميعاً تحت دريشة واحدة وتقاسم المقسوم من سجائر الدخان القديم بما يخفف من مضاره عليهم حتى يكتب الله لهم النجاة ويكتبون على واجهات حياتهم (ممنوع التدخين).