كل إنسان له خارطة طريق خاصة به، يسير عليها من نفخة الروح وحتى نزعها، كالبصمة كل إنسان مختلف عن الآخر، حتى لو كانا توأماً من بطن واحدة، فكل إنسان له مقاديره من عمل ورزق وعلم وحياة، فمهلاً على النفس وإرهاقها اعمل ببدنك وقدراتك ومهارتك فكل ميسر لما خلق له، ولا تمدن عينيك إلى غيرك، لتقارن نفسك في أزواجهم وإخوانهم وأبنائهم سواء برزقهم وعلمهم وشكلهم، فسنة الله في كونه أن رفع بعضنا فوق بعضٍ درجات وجعلنا مسخرين لبعضنا البعض، علينا أن نريح النفس بالرضا والقناعة، فكل شيء له حكمة لا نعلمها ولا نكره ما نزَّل الله من سننه في الكون فتحبط أعمالنا، فلا نتيجة في ذلك إلا الحسرة والندم فيسخط عليك الرب ومن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه سخطه، فقط اتبع الوصفة الربانية (فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) وقل الحمد لله. كنت مع والدي نتفقد أملاك أسلافنا وقال لي هذه أملاك جدك فلان من 200 سنة عمل وجاهد من دون هذه الأملاك، حتى أصبحت لنا وكأنه أيقظ العقل من سباته، ولاحت أمام عيني الحقيقة المرة فما بال القرون الأولى فأنا لا أعرفه ولا يعرفني ولا أذكر سواءً أنا أو أحد من أصحابي دعا أو تصدق لجده الخامس أو حتى الرابع فهم أصبحوا رماداً في ظلمة وسكون. فجالت هذه الخواطر في تفكيري.. سراب أنتِ أيتها الدنيا.. غدارة أنت أيتها الدنيا.. ضالة مضلة مغرورة.. قصيرة ودنيئة أيتها الدنيا.. أضغاث أحلام أنتِ أيتها الدنيا من دنوتِ له أدنيتيه، ومن ترفعتِ عنه رفعتيه. ومن أنا بعد قرن ما أنا إلا الرماد وأنتِ الصفوان والوابل وما هي إلا ومضة ومكاني صلد لا أثر لي، واسمي وأثري وشكلي تذروه رياح النسيان وتهوي به في مكان سحيق. فالغرباء الذين من ظهري من أبناء أبنائي الذين لا أعرفهم سيضحكون ويتنعمون في مالي وأنا أسأل عن كل ريال في أيديهم. رويداً رويداً أيتها النفس كوني مطمئنة، فكل ما ترينه وتملكينه من منزل ومزارع وتجارة وعمل فهو مؤقت وسينتقل جهدك وأرباحك إلى بشر لا تعرفهم حتى لو أنهم من صلبك. رويداً أيتها النفس فلك زمانك وتوقيتك الخاص بك، توقيت الخبير العليم المناسب لك أنت فقط، فأنت لست متأخرة ولا متقدمة على أحد في قدراتك العقلية ورزقك وغناك وفقرك وزواجك وعقمك وأبنائك وكل تفاصيل حياتك، رويداً أيتها النفس أوقفي التفكير المهدر للصحة والنفس والعقل، فجميع ما أنهك تفكيرك وصحتك ليس لك بعد أقل من قرن، رويداً أيتها النفس فهناك ملايين المقابر أصحابها لم يكملوا أعمالهم ولم يصلوا حتى لسراب أحلامهم، رويداً أيتها النفس لا تبحثي عن الكمال فأنت خلقتِ لتعبدي وتذنبي وتستغفري، فكلنا خطاؤون وخيرنا التوابون. رويداً أيتها النفس، كوني مطمئنة وفوزي بالجنة بسلامة القلب والأخلاق، عيشي لحظاتك بسعادة واستمتعي بوقتك ولا تجهدي تفكيرك وقلبك وعقلك، رويداً أيتها النفس، كوني مطمئنة ولا تنسي نصيبك من الدنيا فاعملي بجوارحك وبقلب مطمئن فأنتِ مسيرة ممن يدبر الأمر ويسخر الأسباب من السماء إلى الأرض. وفي الختام اطمئني وعيشي مرتاحة البال فأقدارك صنعها الخبير بمقدار وله حكمة في ذلك وكتبها في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض، شاملة الأسباب والمسببات، ورفعت الأقلام وجفت الصحف، وقال عن نفسه جلَّ وعلا (وما ربك بظلام للعبيد). فلك يا راجح العقل الخيار؛ إما النفس المطمئنة أو اللوامة أو الأمارة بالسوء، فاختر ما شئت منها، فالسعادة والشقاء بيدك لا بيد غيرك.