هذه ليست ميثولوجيا، بل وقائع حقيقية، جرت أحداثها أمس عقب التوقيع المبدئي على اتفاق الرياض، وقبل يوم واحد، من حفل التوقيع النهائي، بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، برعاية خادم الحرمين الشريفين، وحضور ولي عهده الأمين وسمو الشيخ محمد بن زايد، لتدشين هذا الاتفاق التاريخي. كنت أريد أن استطلع ما في قلب الجنوبيين، الأوفياء، ولأن قلبهم على قلب رجل واحد، القائد عيدروس الزبيدي، فانتهزت الفرصة وتحدثت معه هاتفياً، وقلت له إنني سأنشر اللقاء في مقالي في صحيفة «عكاظ»، فرحب بي، إيما ترحيب، ومنحني شرف أول لقاء صحفي بعد توقيع اتفاق الرياض. سألته مباشرة، ما أخطر الصعوبات والتحديات التي واجهت المجلس الانتقالي الجنوبي، وواجهت عيدروس الزبيدي شخصياً، خلال حوار جدة وصولاً إلى اتفاق الرياض؟ فأجاب: «في الحقيقة لا يوجد ما يمكن وصفه «بالخطورة» غير أن التحديات التي واجهناها كانت تتمثل في الوصول إلى أرضية مشتركة تحافظ على ما تضمنته وثائق المجلس الانتقالي الجنوبي، وهذا ما حدث بالفعل خاصة أن أهداف التحالف ومشروعه العربي في بلادنا لا يتعارض أبداً مع مشروعنا السياسي وتطلعات شعبنا، خاصة أن هناك أطرافاً لا يروق لها نجاح مساعي المملكة العربية السعودية». كان قلبي يخفق فرحاً، لكن بعض الخوف تسرب إلى أوصالي، فسألت القائد عيدروس: وكيف تعاملتم مع قسم من الجنوبيين الذين يرفضون الحوار، ومصرون على فك الارتباط؟ فأجاب: «في الأساس مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، سيمر بمراحل كثيرة تأخذ بعين الاعتبار الظروف والعوامل السياسية الداخلية والخارجية، وهو ما يتطلب الحكمة والصبر والسير بشعبنا في طريق آمن كما وعدناهم منذ اليوم الأول، وشعبنا يدرك هذا الأمر ويدعمه». كنت غير متأكدة من حجم العراقيل فعدت للتأكيد ولمعرفة حقيقة ما يقولونه في الشارع «أن حزب الإصلاح قد عمل على تعطيل الحوار»، هل هذا حقيقي؟ وما خطتكم مع الرئيس هادي لكبح الفتن ووأد الفساد، في المرحلة المقبلة؟ فأجاب: «هناك أطراف كثيرة على رأسها «جماعة الإخوان» المتمثلة في حزب الإصلاح تحاول دائماً إفشال أي جهود سياسية أو تقدم في ملف قضية الجنوب، وهذا يأتي أيضاً في إطار ارتباطهم بأجندات معادية للتحالف العربي. ونحن منفتحون على أي جهود تصب في تثبيت الأمن والاستقرار، ورفع المعاناة عن شعبنا، وإنجاح مشروع التحالف العربي في كبح مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، بما لا يتعارض مع ثوابت قضية شعب الجنوب». ولسبب إعجابي الشديد، بدور السعودية لإدارة المفاوضات بين الشرعية والجنوبي، سألت القائد عيدروس: كيف تقييمون قدرة السعودية على إدارة المفاوضات، المباشرة وغير المباشرة، وكيف تصفونها؟ فأجاب: «لا شك أن المملكة لديها خبرة كبيرة في إدارة المفاوضات، وعرفت قيادتها دائماً بالحكمة والحنكة السياسية، وهي صاحبة السبق في المبادرات العربية - العربية ورعاية جهود السلام في المنطقة العربية والإسلامية، وهو الأمر الذي مكنها من حل كثير من القضايا والأزمات كونها تعد دولة رائدة، وتمثل مرجعية للعالمين العربي والإسلامي، وثقتنا كبيرة وغير محدودة بقيادة المملكة العربية السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع». أكملت سؤالي، وقلت: «هل واجهت السعودية صعوبة مع الشرعية، خاصة في ظل الاختلاف بين أطرافها حول اتفاق الرياض، هل فوضتم الرياض بالتفاوض، أم كان منكم أيضا شروط؟ وما هي؟ فأجاب: «ثقتنا بالتحالف العربي وقيادة المملكة العربية السعودية كبيرة، ونحن كنا حريصين على نجاح جهود المملكة، وحافظنا بالوقت نفسه على ثوابتنا الوطنية التي تضمنتها وثائقنا ومشروعنا السياسي، وهو الأمر الذي وجد تفهماً كبيراً لدى الأشقاء». بالحديث عن التحالف العربي فنحن نتحدث عن الإمارات أيضاً، فسألت عن الدور الذي لعبته وتلعبه الإمارات في هذه المرحلة. فأجاب: «الإمارات عضو أساسي في التحالف العربي، ومسألة إعادة التموضع والانتشار يأتي في إطار ترتيبات خاصة بالتحالف العربي، ولا علاقة للأمر بالحوار الذي رعته المملكة العربية السعودية. ونحن في المجلس الانتقالي الجنوبي وخلفنا شعب الجنوب نكن كل الحب والتقدير لدولة الإمارات ولن ننسى جهودها وتضحياتها في بلادنا». قلت للقائد عيدروس: لكنَّ هناك أبواقَ فتنةٍ تزعم أن الإمارات استعادت ما قدمته في الجنوب، ومع سذاجة هذا الطرح إلاّ الناس جميعاً يريدون أن يعرفوا الحقيقة. فقال: «الإمارات قدمت دماء أبنائها على أرضنا، ومن يقدم دمه لن يبخل بشيء آخر، وما تروج له أبواق الفتنة يأتي في إطار أجندة جهات معادية للتحالف العربي، وستبقى بصمة الإمارات حاضرة في الجنوب دائماً، بصمة التضحية والبناء والتنمية». وجدت الفرصة مناسبة لأسأل عن الأصوات التي خرجت على الشرعية، كالميسري والجبواني، وغيرهم وأعلنوا الانشقاق، هل لديكم رؤية مع الرئيس هادي للتعامل مع جميع المنشقين، أم لديكم رؤية خاصة؟ فأجاب: «نحن ملتزمون بنتائج الحوار الذي رعته المملكة العربية السعودية، والذي تضمن تشكيل حكومة جديدة يستثنى منها كل العناصر المأزومة التي تسببت في التحريض وسفك الدماء وإشعال الفتنة». بدا أن الحوار يصل إلى النقاط المركزية، فكان لا بد من السؤال: حين توقيع اتفاق الرياض، كيف كان تفكيركم؟ فأجاب: «اتفاق الرياض لا يتعارض مع وثائق وأهداف المجلس الانتقالي الجنوبي، بل هو خطوة أساسية إستراتيجية في قضية مصيرية ونحو تحقيق هذه الأهداف، ونحن قبل وأثناء وبعد الحوار لن نفرط أبداً في أهدافنا الوطنية المشروعة، والتزاماتنا تجاه شعبنا وتضحياته». فقلت لكن ما مدى ثقتكم بقدرة أعضاء في الشرعية، ليس الرئيس طبعاً، بالاستمرار بالالتزام ببنود اتفاق الرياض، وإلى أي مدى؟ فأجاب: «هناك لجنة مشتركة مكونة من المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية بإشراف التحالف، معنية بمتابعة تنفيذ الاتفاق وتفسير نصوصه، كما نعول على الشرفاء والعناصر الوطنية داخل الشرعية». فكّرت في مرحلة ما بعد التوقيع، فسألت هل سيكون التركيز على حكومة الشرعية الجديدة ومحاربة الفساد وإعادة هيكلة الجيش، أم سيكون على اقتلاع الحوثية المدعومة من إيران؟ فقال: «لا شك أن النجاح في تنفيذ اتفاق الرياض سيكون له أبلغ الأثر في تحقيق قدرتنا على تحقيق المزيد من الانتصارات، وتوحيد الجهود ضد مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، وهذا لن يتأتى دون محاربة الفساد واقتلاعه ومعالجة أسباب الفشل الذي لازم قيادة الشرعية في الفترة الماضية». بالطبع اليمنيون جميعاً وكل العرب يفكرون في مستقبل اليمن، فسألت: وما مستقبل اليمن في ظل اتفاق الرياض، على الأقل، في السنوات الخمس القادمة؟ فأجاب: «اتفاق الرياض يؤمل عليه الكثير، وهو بمثابة خارطة طريق مرحلية لإعادة الأمور إلى نصابها في مواجهة المليشيات الإيرانية، وهو أيضاً يمهد لحلول شاملة تقوم على أساس حل قضية الجنوب بما يرتضيه شعب الجنوب ويحقق تطلعاته وأهدافه المشروعة التي يحملها المجلس الانتقالي الجنوبي». شكرت النبيل عيدروس، باسمي وباسم رئيس تحرير «عكاظ» وفريق العمل وكل عربي شريف يرى أن اليمن الغالي والعزيز يحتاج إلى الأمن والسلام، وليعود سعيداً كما نحبه جميعاً. * روائية وباحثة سياسية [email protected]